جولة ميدانية مع عمال "الفاعل" بالغربية
كتب -
ربيع السعدني
عمال "الفاعل"هم
مصريون يحفرون في الصخر ويتحملون لهيب الشمس وصعوبات الحياة اليومية وقسوة
المهنة التي قلما يسلط أحد عليهم الضوء ليخفف عنهم قدرا من معاناتهم
اليومية وهذا ما يفرق معهم بصورة كبيرة، أن يجدوا من يشعرون بهم ويخفف عنهم
آلامهم وهذا ما دفعنا إلي الاهتمام بتلك الفئة التي لا يعرف المصريون
الكثير عنهم علي الرغم من أنهم يقدمون الخدمات الجلية للمصريين التي تستحق
الشكر والتقدير فبدأنا جولتنا الميدانية وعمال مصانع الطوب في المنطقة
الصناعية بزفتي بمحافظة الغربية، أكبر محافظات الجمهورية انتاجا للطوب
الطفلي، وهي من الصناعات الملوثة للبيئة ومن المناطق التي تزداد بها نسبة
الثلوث، فضلا عن صعوبة الحياة فيها، وبالرغم من تلك الحياة القاسية على
عمال مصانع الطوب المقيمين هناك ليل نهار يتعرضون للأتربة والتلوث بصورة
كبيرة.
"طول ما فيه فقر وجوع ومرض في مصر عمرها ما هتتقدم" بهذه الكلمات بدأ جمال عبدالعظيم النجار، مشرف على عمال مصنع طوب طفلي ببلدة كفر حانوت التابعة لمركز زفتى، حديثه، قائلاً "الأيام اللي فاتت أثبتت لنا أن من لا يملك قوته لا يملك قراره، وأسوأ ما في الأمر أن العمال ملهومش أي حقوق وهم شبه ملك صاحب المصنع يعني صاحب المصنع بيعمل بيهم اللي عايزه، ملهومش أي تأمين اجتماعي أو صحي وأجورهم علي هوي ومزاج صاحب المصنع ويا ويلهم لو فكروا مجرد تفكير أن يطالبوا بحقوقهم، من فترة حصل حادث لأحد العمال وقع من فوق الفرن, فصاحب المصنع خاف إنه يدخل في سين وجيم ورفض أن يحضر الإسعاف لنجدة العامل وتركه ينزف حتى مات, وأيضاً كذا قصة تانية مشابهة".
الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين (8-15) سنة معظمهم يعملون في رش الرمال على طوب الطفلي الطري لكي لا يلتصق في بعضه أثناء الانتقال في الطريق إلى الفرن، معظم العمال يشتكون من الأمراض الصدرية والعظام والعيون نتيجة كمية التلوث الرهيبة التي يعيشون فيها, ويكفي منظر العمال أنفسهم من كثرة التراب تشعر وكأنهم يتلونون بلون الأرض التي يقفون عليها.
بدأنا نتحدث مع العمال فأبدى البعض ترحيبه بالحديث في حين رفض آخرون الحديث معهم لدرجة أن أحدهم كان يخشى تصويره بزعم أننا سنرسل بتلك الصور لأمريكا ونشوه بها صورة مصر فسألناه وانت هتشوه صورة مصر بإيه؟ فقال "علشان شكلي مبهدل ولبسي مش نظيف رغم أن هذا فخرا لمصر المعروفة بعمالها السمر الشقيانين، رمز الكفاح مصر.
وفي المقابل قال رضا عبدالحكيم، عامل بالمصنع ان الثورة خربت بيوتهم ووقفت حال البلد ثم تسائل هو احنا كنا اخدنا ايه من الثوره يعني؟ ما كل حاجه ماشيه بالوسطه هنا و في كل حته في البلد".
وقال أخر "احنا جينا الدنيا بعد ما استكفت "فسألناه" ايه اللى وجعك في البلد فقال "أنا حاسس إن مصر تعبانه ولازم لها دكتور" فقلنا إنت بتحلم بإيه؟ قال ولا حاجة، طيب نفسك في إيه؟ قال ولا حاجة، أنا نفسي الدنيا تبقى أحسن والناس تحب بعض وتخاف على بعض زي زمان ويبقى الوضع أحلى والناس تبطل مظاهرات وقلق" عملنا زي ورشة عمل كان الأطفال بيكتبوا فيها امنياتهم, فيه واحد كتب "نفسي ابقى عالم سياسي عشان أساعد بلدي مصر".
المهم إن أغلبهم قال بداية إنهم عايزين يبقوا ضباط ولما سألناهم عن السبب؟ فرد أحدهم وقال "علشان يبقي لي هيبه فاستفسرت منه علشان الناس تخاف منك يعني؟ سكت وقعد يفكر وقال أيوه والأغلبية كتبوا "نفسي أبقى مهندس أو دكتور علشان أساعد الناس، أجمل واحده قابلناها في هذا اليوم تدعى "خلود" وهي بنت جميلة بريئة عندها 8 سنين بس للأسف عندها مشكلة فى الجهاز العصبى مصابة بشلل حركي فلا تقف أو تتحرك لأن عندها ضمور في جزء من خلايا المخ، وعندها مشكلة في النطق وابوها عامل بسيط لا يجد مال يكشف به عليها أو يعالجها، خلود طلع لها قرار علاج على نفقة الدولة وفعلا اتعالجت فترة واستجابت للعلاج وحالتها اتحسنت حتي توقف القرار فجأة، مشكلة خلود أنها تحتاج إلي متابعة طبية من قبل أخصائى مخ وأعصاب .
وداخل مصنع تامر عبدالمنعم العشري، ابن أخو جبر العشري، عضو مجلس الشعب السابق عن الحزب الوطني المنحل، بسمنود حاولنا الاقتراب أكثر من مشاكل العمال ممن يُطلق عليهم "عمال الفاعل"، الذين أكدوا لـ"الوادي" أن حقوقهم ضائعة وتأميناتهم الاجتماعية في خبر كان وصاحب المصنع يمتص دم العامل على مدار السنوات الطويلة وفي النهاية يلقي إليه بالفتات وهو ما وصفه أشرف الصعيدي، عامل بالمصنع، بآخرة خدمة الغز علقة، ففي حالة تعرض العامل لإصابة اثناء عمله فإن صاحب المصنع يتخلى عنه ويبحث عن غيره، وذكر طارق يوسف بركات أنه ربما يذهب بالعامل المصاب إلي المستشفي، لكنه لا يري وجهه بعد ذلك.
"الحكومة رمت طوبتنا وأصحاب المصانع مصوا دمنا والرئيس القادم أمامه تركة ثقيلة والبقاء لله في الإخوان ومصر لن يحكمها الا الفريق أحمد شفيق" بعبارات بسيطة لخص محمد شداد، عربجي، الوضع العام لعمال مصر الذي لا يسر عدو ولا حبيب، نتيجة المرتبات الهزيلة التي لا تكفي قوت يومه وحده، فضلا عن أفراد اسرته التسعة وظروف المعيشة المريرة التي يتجرعها يوما بعد الاخر ورغم كل هذا فليس له حقوق عند صاحب المصنع، فلا تأمينات على العمال ولا تثبيتات لهم بالمصنع وهو ما يصفه محمد سعد رمضان، عامل بالفرن، قائلاً "الحمير لا تتحمل ما نقوم به".
ومن جانبه وجه مجدي الراعي، عامل علي سير الطحانة، نداءا إلى كل صاحب مصنع يطالبه بأن يتق الله فيهم حتى يتقوا الله في أعمالهم لأنهم يعملون في مهنة موت لا تقبل التردد او التراجع، يذكر ان الراعي قُطعت قدمه خلال عمله علي الطحانة منذ شهرين ولم يسأل فيه صاحب المصنع بمكالمة هاتفية لأنه غير مُثبت أو مؤمن عليه وبالتالي فلا دية له أو حقوق تذكر ليطالب بها رئيسه في العمل.
فيما ذكر عاطف شراره، عامل فاعل، أنهم مش لاقيين اللضا وظروفهم قحط وعلى الرغم من حصوله على رخصة درجة أولى إلا أنه آثر العمل علي العصفور (الآلة التي يحمل عليها الطوب) نظرا لتوقف حالة البلد وكثرة البلطجية على الطرق وكما يقول المثل الشعبي "ايه اللي رماك ع المر قال الامر منه" ويتمنى شراره البالغ من العمر (27 عاما) أمنية واحدة "أن يتزوج ويجد وظيفة محترمة يأكل منها بالحلال".
محمد أبو السعود، موظف درجة اولى بالشؤون الاجتماعية، منذ 35 عاما وأب لسبعة أبناء ومن ثم فلم يكن أمامه بد من الجمع بين المصنع والوظيفه، ليكفي احتياجاته وأسرته ونفقاتهم وتعليمهم وزواجهم، فمعاش الضمان الإجتماعي لا يتجاوز الـ 220 جنيها وحافز 430 جنيه وهو ما لم يكف متطلباته الشخصية، الأمر الذي يصفه أبو السعود بأن "شقاها في حلاوتها".
واختتم أبو السعود كلماته بهذا الدعاء "منه لله حسني مبارك اللي سلم البلد على المحارة".
وقالت زينب علي عوضين، عاملة محارة بفرن المصنع، تعمل منذ ثلاث سنوات بدون تامين أو تثبيت أن حقوقهم ضائعة ما بين رئيس الجمهورية وصاحب المصنع والثورة والمظاهرات كل تلك الجهات ساهمت بصورة كبيرة في حالة البؤس والشقاء التي وصل إليها حال معظم عمال الفاعل علي مستوي مصانع الجمهورية الذين يدفعون الثمن غاليا من قوتهم وصحتهم لأجل أن يحيا ذويهم حياة كريمة.
"الوادي" حملت تلك المطالب العمالية إلي وجيه سليم، رئيس العمال بالمصنع، الذي اكد من جانبه أن هناك ثلاثة أرباع عامل مؤمن عليهم من قبل صاحب المصنع، الذي يعمل تحت يديه نحو 100 عامل يتقاضون مرتباتهم كاملة وكأنهم يعملون في الحكومة واكثر، مؤكدا أن كافة العمال مبسوطين واحيانا ما يتبغددون علينا نتيجة التهاون الشديد والمعاملة المثالية من قبل رؤوسائهم، فضلا عن أقل عامل فيهم يتقاضي ال600 جنيها اسبوعيا في أقل من 6 ساعات عمل يومية.
رئيس المصنع تامر العشري الذي تردد في الرد عليها بذلك التساؤل "والله ما أنا عارف العامل عايز ايه؟ رغم أن العمالة زادت بكثافة بعد الثورة لأربعة أضعاف قبلها إلا أن الإنتاج ما يزال في حالة اضطراب حتى الآن، وبشان اصابات العمال يروي العشري أنه ليس ملزما بعلاجه إنما يفعل ذلك لوجه الله وهذا ما لا يحدث في كافة مصانع الطوب الطفلي ومن ثم فإن العامل النهاردة أفضل من الموظف الحكومي بسبعين مرة فمثلا العربجي يأخذ 250 جنيها اسبوعيا ومع ذلك يرفضها الكثيرون.
ويذكر العشري ان المصنع غالبا ما ينتج نحو 80 ألف طوبة خضراء يوميا، 60 ألف طوبة حمراء وهو ما يجعل الأجور متفاوتة بصورة كبيرة تماما كالبورصة، فالتعامل يكون بالإنتاج، فمثلا الألف طوبة تعتيق (تحميل ونقل من الفرن إلي المقطورة) ب19 جنيها وكذلك الألف طوبة خضراء ونقلها من المناشر(مكان وضع الطوب الاخضر) للفرن بنحو 15 جنيها للألف، كما يتقاضي عمال القطاعة (التي تقوم بتقطيع الطوب إلي قوالب) 14 جنيها في الألف.
واضاف العشري أن المشكلة الكبري في عمال الفاعل أنهم متغيرون وغير ثابتين، حيث يجري العامل وراء الجنيه الإضافي فإذا أتي يوما فإنه يتغيب أسبوعا كاملا، مشيرا إلي أنه تم تثبيت نحو عشرين رئيسا للعمال بالمصنع مؤخرا ونحو خمسة عمال أخرون مستديمون معنا وجاري تثبيت من يثبت استمرارهم في المصنع بصفة جدية خلال الآونة القادمة.
يذكر ان عدد المصانع في منطقة الغربية فوق ال500 مصنع و كل العمال يعانون نفس الظروف الصحية والحياتية المتردية، ويضيف مصطفي الغرباوي، عامل، أن هؤلاء العمال أمانة في رقاب كل مصري, هذا النداء يرفعه الغرباوي للحقوقيين و المهتمين بشئون العمال في مصر، العمال محتاجين توعية حقوقية, لأنهم صدقوا فكرة انهم ملك صاحب العمل يفعل بهم ما يشاء وهو ما يجعلهم يستغلون أسوأ استغلال من قبل أصحاب المصانع الذين يقاومون أي محاولات لتحسين اوضاع العمال حتي لايخرجون عن طوعهم.
نداء الغرباوي الأخير للجمعيات الأهلية قائلاً "نظموا قوافل طبية وفصول محو أمية للعمال وأولادهم, ساعدوهم بكل السبل, نداء أخر للأطباء لو تمكن أحدكم من مساعدة الحالات المريضة هناك فليتقدم لأنه باختصار لن تتقدم مصر وتقف على رجلها وقلبها مكسور بالفقر والجوع والمرض، لهذه الفئة المهمشة من شعب مصر ومن ثم فإن مساعدة تلك الفئات المطحونة من الشعب واجب وليس تفضل.
"طول ما فيه فقر وجوع ومرض في مصر عمرها ما هتتقدم" بهذه الكلمات بدأ جمال عبدالعظيم النجار، مشرف على عمال مصنع طوب طفلي ببلدة كفر حانوت التابعة لمركز زفتى، حديثه، قائلاً "الأيام اللي فاتت أثبتت لنا أن من لا يملك قوته لا يملك قراره، وأسوأ ما في الأمر أن العمال ملهومش أي حقوق وهم شبه ملك صاحب المصنع يعني صاحب المصنع بيعمل بيهم اللي عايزه، ملهومش أي تأمين اجتماعي أو صحي وأجورهم علي هوي ومزاج صاحب المصنع ويا ويلهم لو فكروا مجرد تفكير أن يطالبوا بحقوقهم، من فترة حصل حادث لأحد العمال وقع من فوق الفرن, فصاحب المصنع خاف إنه يدخل في سين وجيم ورفض أن يحضر الإسعاف لنجدة العامل وتركه ينزف حتى مات, وأيضاً كذا قصة تانية مشابهة".
الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين (8-15) سنة معظمهم يعملون في رش الرمال على طوب الطفلي الطري لكي لا يلتصق في بعضه أثناء الانتقال في الطريق إلى الفرن، معظم العمال يشتكون من الأمراض الصدرية والعظام والعيون نتيجة كمية التلوث الرهيبة التي يعيشون فيها, ويكفي منظر العمال أنفسهم من كثرة التراب تشعر وكأنهم يتلونون بلون الأرض التي يقفون عليها.
بدأنا نتحدث مع العمال فأبدى البعض ترحيبه بالحديث في حين رفض آخرون الحديث معهم لدرجة أن أحدهم كان يخشى تصويره بزعم أننا سنرسل بتلك الصور لأمريكا ونشوه بها صورة مصر فسألناه وانت هتشوه صورة مصر بإيه؟ فقال "علشان شكلي مبهدل ولبسي مش نظيف رغم أن هذا فخرا لمصر المعروفة بعمالها السمر الشقيانين، رمز الكفاح مصر.
وفي المقابل قال رضا عبدالحكيم، عامل بالمصنع ان الثورة خربت بيوتهم ووقفت حال البلد ثم تسائل هو احنا كنا اخدنا ايه من الثوره يعني؟ ما كل حاجه ماشيه بالوسطه هنا و في كل حته في البلد".
وقال أخر "احنا جينا الدنيا بعد ما استكفت "فسألناه" ايه اللى وجعك في البلد فقال "أنا حاسس إن مصر تعبانه ولازم لها دكتور" فقلنا إنت بتحلم بإيه؟ قال ولا حاجة، طيب نفسك في إيه؟ قال ولا حاجة، أنا نفسي الدنيا تبقى أحسن والناس تحب بعض وتخاف على بعض زي زمان ويبقى الوضع أحلى والناس تبطل مظاهرات وقلق" عملنا زي ورشة عمل كان الأطفال بيكتبوا فيها امنياتهم, فيه واحد كتب "نفسي ابقى عالم سياسي عشان أساعد بلدي مصر".
المهم إن أغلبهم قال بداية إنهم عايزين يبقوا ضباط ولما سألناهم عن السبب؟ فرد أحدهم وقال "علشان يبقي لي هيبه فاستفسرت منه علشان الناس تخاف منك يعني؟ سكت وقعد يفكر وقال أيوه والأغلبية كتبوا "نفسي أبقى مهندس أو دكتور علشان أساعد الناس، أجمل واحده قابلناها في هذا اليوم تدعى "خلود" وهي بنت جميلة بريئة عندها 8 سنين بس للأسف عندها مشكلة فى الجهاز العصبى مصابة بشلل حركي فلا تقف أو تتحرك لأن عندها ضمور في جزء من خلايا المخ، وعندها مشكلة في النطق وابوها عامل بسيط لا يجد مال يكشف به عليها أو يعالجها، خلود طلع لها قرار علاج على نفقة الدولة وفعلا اتعالجت فترة واستجابت للعلاج وحالتها اتحسنت حتي توقف القرار فجأة، مشكلة خلود أنها تحتاج إلي متابعة طبية من قبل أخصائى مخ وأعصاب .
وداخل مصنع تامر عبدالمنعم العشري، ابن أخو جبر العشري، عضو مجلس الشعب السابق عن الحزب الوطني المنحل، بسمنود حاولنا الاقتراب أكثر من مشاكل العمال ممن يُطلق عليهم "عمال الفاعل"، الذين أكدوا لـ"الوادي" أن حقوقهم ضائعة وتأميناتهم الاجتماعية في خبر كان وصاحب المصنع يمتص دم العامل على مدار السنوات الطويلة وفي النهاية يلقي إليه بالفتات وهو ما وصفه أشرف الصعيدي، عامل بالمصنع، بآخرة خدمة الغز علقة، ففي حالة تعرض العامل لإصابة اثناء عمله فإن صاحب المصنع يتخلى عنه ويبحث عن غيره، وذكر طارق يوسف بركات أنه ربما يذهب بالعامل المصاب إلي المستشفي، لكنه لا يري وجهه بعد ذلك.
"الحكومة رمت طوبتنا وأصحاب المصانع مصوا دمنا والرئيس القادم أمامه تركة ثقيلة والبقاء لله في الإخوان ومصر لن يحكمها الا الفريق أحمد شفيق" بعبارات بسيطة لخص محمد شداد، عربجي، الوضع العام لعمال مصر الذي لا يسر عدو ولا حبيب، نتيجة المرتبات الهزيلة التي لا تكفي قوت يومه وحده، فضلا عن أفراد اسرته التسعة وظروف المعيشة المريرة التي يتجرعها يوما بعد الاخر ورغم كل هذا فليس له حقوق عند صاحب المصنع، فلا تأمينات على العمال ولا تثبيتات لهم بالمصنع وهو ما يصفه محمد سعد رمضان، عامل بالفرن، قائلاً "الحمير لا تتحمل ما نقوم به".
ومن جانبه وجه مجدي الراعي، عامل علي سير الطحانة، نداءا إلى كل صاحب مصنع يطالبه بأن يتق الله فيهم حتى يتقوا الله في أعمالهم لأنهم يعملون في مهنة موت لا تقبل التردد او التراجع، يذكر ان الراعي قُطعت قدمه خلال عمله علي الطحانة منذ شهرين ولم يسأل فيه صاحب المصنع بمكالمة هاتفية لأنه غير مُثبت أو مؤمن عليه وبالتالي فلا دية له أو حقوق تذكر ليطالب بها رئيسه في العمل.
فيما ذكر عاطف شراره، عامل فاعل، أنهم مش لاقيين اللضا وظروفهم قحط وعلى الرغم من حصوله على رخصة درجة أولى إلا أنه آثر العمل علي العصفور (الآلة التي يحمل عليها الطوب) نظرا لتوقف حالة البلد وكثرة البلطجية على الطرق وكما يقول المثل الشعبي "ايه اللي رماك ع المر قال الامر منه" ويتمنى شراره البالغ من العمر (27 عاما) أمنية واحدة "أن يتزوج ويجد وظيفة محترمة يأكل منها بالحلال".
محمد أبو السعود، موظف درجة اولى بالشؤون الاجتماعية، منذ 35 عاما وأب لسبعة أبناء ومن ثم فلم يكن أمامه بد من الجمع بين المصنع والوظيفه، ليكفي احتياجاته وأسرته ونفقاتهم وتعليمهم وزواجهم، فمعاش الضمان الإجتماعي لا يتجاوز الـ 220 جنيها وحافز 430 جنيه وهو ما لم يكف متطلباته الشخصية، الأمر الذي يصفه أبو السعود بأن "شقاها في حلاوتها".
واختتم أبو السعود كلماته بهذا الدعاء "منه لله حسني مبارك اللي سلم البلد على المحارة".
وقالت زينب علي عوضين، عاملة محارة بفرن المصنع، تعمل منذ ثلاث سنوات بدون تامين أو تثبيت أن حقوقهم ضائعة ما بين رئيس الجمهورية وصاحب المصنع والثورة والمظاهرات كل تلك الجهات ساهمت بصورة كبيرة في حالة البؤس والشقاء التي وصل إليها حال معظم عمال الفاعل علي مستوي مصانع الجمهورية الذين يدفعون الثمن غاليا من قوتهم وصحتهم لأجل أن يحيا ذويهم حياة كريمة.
"الوادي" حملت تلك المطالب العمالية إلي وجيه سليم، رئيس العمال بالمصنع، الذي اكد من جانبه أن هناك ثلاثة أرباع عامل مؤمن عليهم من قبل صاحب المصنع، الذي يعمل تحت يديه نحو 100 عامل يتقاضون مرتباتهم كاملة وكأنهم يعملون في الحكومة واكثر، مؤكدا أن كافة العمال مبسوطين واحيانا ما يتبغددون علينا نتيجة التهاون الشديد والمعاملة المثالية من قبل رؤوسائهم، فضلا عن أقل عامل فيهم يتقاضي ال600 جنيها اسبوعيا في أقل من 6 ساعات عمل يومية.
رئيس المصنع تامر العشري الذي تردد في الرد عليها بذلك التساؤل "والله ما أنا عارف العامل عايز ايه؟ رغم أن العمالة زادت بكثافة بعد الثورة لأربعة أضعاف قبلها إلا أن الإنتاج ما يزال في حالة اضطراب حتى الآن، وبشان اصابات العمال يروي العشري أنه ليس ملزما بعلاجه إنما يفعل ذلك لوجه الله وهذا ما لا يحدث في كافة مصانع الطوب الطفلي ومن ثم فإن العامل النهاردة أفضل من الموظف الحكومي بسبعين مرة فمثلا العربجي يأخذ 250 جنيها اسبوعيا ومع ذلك يرفضها الكثيرون.
ويذكر العشري ان المصنع غالبا ما ينتج نحو 80 ألف طوبة خضراء يوميا، 60 ألف طوبة حمراء وهو ما يجعل الأجور متفاوتة بصورة كبيرة تماما كالبورصة، فالتعامل يكون بالإنتاج، فمثلا الألف طوبة تعتيق (تحميل ونقل من الفرن إلي المقطورة) ب19 جنيها وكذلك الألف طوبة خضراء ونقلها من المناشر(مكان وضع الطوب الاخضر) للفرن بنحو 15 جنيها للألف، كما يتقاضي عمال القطاعة (التي تقوم بتقطيع الطوب إلي قوالب) 14 جنيها في الألف.
واضاف العشري أن المشكلة الكبري في عمال الفاعل أنهم متغيرون وغير ثابتين، حيث يجري العامل وراء الجنيه الإضافي فإذا أتي يوما فإنه يتغيب أسبوعا كاملا، مشيرا إلي أنه تم تثبيت نحو عشرين رئيسا للعمال بالمصنع مؤخرا ونحو خمسة عمال أخرون مستديمون معنا وجاري تثبيت من يثبت استمرارهم في المصنع بصفة جدية خلال الآونة القادمة.
يذكر ان عدد المصانع في منطقة الغربية فوق ال500 مصنع و كل العمال يعانون نفس الظروف الصحية والحياتية المتردية، ويضيف مصطفي الغرباوي، عامل، أن هؤلاء العمال أمانة في رقاب كل مصري, هذا النداء يرفعه الغرباوي للحقوقيين و المهتمين بشئون العمال في مصر، العمال محتاجين توعية حقوقية, لأنهم صدقوا فكرة انهم ملك صاحب العمل يفعل بهم ما يشاء وهو ما يجعلهم يستغلون أسوأ استغلال من قبل أصحاب المصانع الذين يقاومون أي محاولات لتحسين اوضاع العمال حتي لايخرجون عن طوعهم.
نداء الغرباوي الأخير للجمعيات الأهلية قائلاً "نظموا قوافل طبية وفصول محو أمية للعمال وأولادهم, ساعدوهم بكل السبل, نداء أخر للأطباء لو تمكن أحدكم من مساعدة الحالات المريضة هناك فليتقدم لأنه باختصار لن تتقدم مصر وتقف على رجلها وقلبها مكسور بالفقر والجوع والمرض، لهذه الفئة المهمشة من شعب مصر ومن ثم فإن مساعدة تلك الفئات المطحونة من الشعب واجب وليس تفضل.
Comments