(الشروق) فى غزة.. أموات على قيد الحياة.. وأحياء فى عداد الموتى
كتب : محمد أبو زيد جريدة الشروق
فى الأسبوع الماضى انطلقت الحافلة من القاهرة فى طريقها إلى غزة، وعلى متنها 9 نواب (7 من الإخوان ونائبان من الكرامة) رافقهم 12 إعلاميا، شكلوا قافلة برلمانية لفك الحصار عن غزة.
النواب على اختلاف توجهاتهم كانوا تواقين لزيارة غزة، التى تعلقت قلوبهم بها، نواب الإخوان يرونها «أرض الجهاد والرباط، المخضب ترابها بدماء الشهداء الزكية المباركة، والتى تحكمها حماس (الفرع الفلسطينى للإخوان)»، ويراها نائبا الكرامة «أرض العزة والكرامة والكبرياء، التى يمثل دخولها دون تأشيرة، جزءا من الحلم العربى»، أما الإعلاميون فسر لهفتهم كون غزة «تجربة صحفية وإعلامية فريدة»، فالصحفى العربى بإمكانه أن تطأ قدماه أى مكان فى الأرض، عدا غزة لأن أمرها ليس بيد أبنائها بقدر ما هو فى يد أعدائهم.
توقفت الشاحنة أمام أحدى نقاط التفتيش المنتشرة فى الطريق إلى العريش، وتحديدا أمام كمين «بالوظة» لنحو الساعة، لم تنقطع خلالها الاتصالات بين النواب وقيادات أمنية حتى سمح للشاحنة بالتحرك من جديد بعد مفاوضات مكثفة مع أجهزة الأمن، حينها تنفس الجمع الصعداء، لتعود البسمة إلى الوجوه بعدما سيطر القلق على الجميع، خوفا من أن نعود أدراجنا إلى القاهرة خائبى الرجاء.
حين وصلنا إلى العريش تحولت القافلة إلى مجرد حافلة، فقد كانت هناك شاحنات محملة بالأسمنت، وتم استيقافها، وتنحيتها جانبا لتواصل الشاحنة طريقها منفردة صوب معبر رفح، ونتيجة للعبة (القط والفأر) بين الأمن ومسئولى القافلة وصلنا إلى المعبر مع أذان المغرب ولم يسمح لنا بالعبور.
فى حراسة حماس
بمجرد أن انتقلنا إلى الجانب الفلسطينى من معبر رفح، استرعى انتباهنا الخضرة المكثفة، حيث الأشجار والنباتات النادرة، واستقبلنا نواب (حماس) فى المجلس التشريعى الفلسطينى. ما إن وطأت أقدامنا الأراضى الفلسطينية، آخر النائب الإخوانى فريد إسماعيل ساجدا لله، غير مصدق أنه فى غزة، حينها استقبلنا الغزاويون والحمساويون بحفاوة، لم تبددها الجدية والصرامة البادية على وجوه الحرس الذى رافقنا من قوات حماس، فقد كان التجهم يكسو ملامحهم، والترقب والحذر كان سمة لالتفاتاتهم يمينا ويسارا، طوال مرافقتهم لنا من المعبر وحتى عدنا إليه. كان الموكب أشبه بمواكب الوزراء فى مصر، تتقدمه دراجات نارية وسيارات شرطة وجنود، وإن اختلف عن المواكب المصرية فى عدم تعطيله المرور فى الشوارع التى اخترقناها.
صورة مصغرة من مصر
بعد الاستقبال الحار للوفد المصرى اصطحبونا فى جولة فى قلب غزة، التى ما إن تدخلها إلا وتشعر انك فى قلب مدينة مصرية ــ باستثناء حركات المقاومة والمرابطين والأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية ــ فغزة تشبه أى محافظة مصرية، قد تشبه الإسماعيلية أو طنطا أو الإسكندرية، الشعارات الخاصة بالفصائل الفلسطينية منتشرة على الجدران، والإعلانات عن المنتجات والسلع والشقق لها نصيب على الجدران، أشجار الزيتون منتشرة فى كل مكان عدا الأماكن التى جرفتها قوات الاحتلال الإسرائيلى. فى غزة تجد الفيللات المحاطة بأسوار وحدائق، وتجد العشش المحاطة بمياه المجارى، الأولى فى قلب غزة وعند سواحلها والثانية على أطرافها، العشوائيات فى غزة تنتشر فى المخيمات (نحو 7 مخيمات أشهرها جباليا والبريج وخان يونس ودير البلح)، قاطنو المخيمات يشبهون إلى حد كبير أهالى منشية ناصر والدويقة وإسطبل عنتر، يغلب على معظمهم الشقاء، يعانون من الفقر والبؤس. تكتظ المخيمات بآلاف البشر المستقرين فى بيوت متلاصقة وشوارع ضيقة، كل شىء تشاهده هناك يجعلك تتخيل انك فى عشوائيات مصر، وفى قلب غزة تنتقل فجأة إلى ما يشبه وسط البلد وأحيانا مصر الجديدة، حيث الشوارع نظيفة تنتشر بها متاجر ومحال وسوبر ماركت وحدائق صغيرة وسيارات فخمة من مختلف الماركات، سألت عن هذه السيارات ومن أين تأتى فأخبرونى أنها جاءت مع قافلة جورج جالاوى (عضو مجلس العموم البريطانى). وتشبه أفراح غزة مثيلتها فى مصر، عريس وعروسة فى سيارة مزينة وموتوسيكلات وسيارات تزفهم. أما المصايف فى غزة فهى تشبه المصايف المتواضعة فى مصر إلى درجة التطابق، بلاجات مفتوحة للرجال والنساء والأطفال، صفارات إنذار، رايات للاستدلال على حالة البحر، مظلات وكراسى متواضعة، مقاهى و(دى جى) تنتشر على البلاج ليلا ونهارا، ويتوافد على الشواطئ معظم أهالى غزة طوال شهور الصيف ليطفئوا فى مياه البحر لهيب ما عانوه ويعانونه من بطش وجبروت آلة الحرب الإسرائيلية، ذهبت إلى الشاطئ المجاور للفندق الذى نزلنا فيه فشاهدت أطفالا بملامح مصرية يجلسون على حافة الشاطئ يلعبون فى الرمال ويبنون بيوتا من الرمال، يعيدون هدمها، يحفرون حفرا ويرسمون خطوطا ويضحكون ضحكات صافية بريئة، ثم يسرعون إلى البحر فيلقون بأنفسهم بين أمواجه. وبعيدا عن الأطفال شاهدت سيدتين غزاويتين تجلسان على الشاطئ تمددان أرجلهن فى الماء، وتحت احدى الشمسيات جلس رجل مع عائلته يتناولون الطعام وهو يدخن الشيشة، هذا هو حال شواطئ غزة بعد العاشرة صباحا، أما شباب المقاومة فلهم نصيب من البحر أيضا فبعد صلاة الفجر يذهب الشباب للبحر يؤدون تمرينات رياضية ويتدربون على فنون الاشتباك، ولا يغفلون السباحة قبل أن يغادروا فى التاسعة صباحا، وليس معنى أن الغزاويين يعيشون الحياة بكل مظاهرها أنهم قد نسوا المقاومة، فلكل مقام مقال فالذين يسبحون فى بحر غزة نهارا قد يكونون مرابطين على الحدود ليلا والعكس صحيح.
كلام عن الحرب والمقاومة
يجزم الغزاوون أن إسرائيل أعدت العدة لحرب جديدة شاملة على القطاع، «إنها فقط تنتظر صدور القرار»، ومع ذلك لا يبالى السكان فالحرب والشهادة والجهاد والموت جزء من حياتهم اليومية. قبل أن يصحبنا أعضاء حكومة حماس المقالة وأعضاء المجلس التشريعى ــ الذين أكرموا ضيافتنا ــ فى جولة لتفقد آثار الدمار الذى خلفته الحرب الصهيونية على قطاع غزة قبل عام ونصف العام، حكى لنا بعض الإعلاميين الفلسطينيين عن أهوال الحرب والآثار النفسية الرهيبة التى خلفتها فى نفوس الكبار والصغار، حدثونا عن الضربة الأولى فى الحرب التى جاءت مفاجئة ومذهلة. قالوا لنا إن الضربة الأولى بالطائرات أجرتها مجندات فى الجيش الإسرائيلى، ورووا لنا عن الملاحم التى حدثت فى تلك الحرب والتطور الرهيب للمقاومة فى التصدى للصهاينة، حكى بعضهم عن تخلى المقاومة عن النظرية القديمة فى التصدى للاجتياح عن طريق خروج رجال المقاومة دفعة واحدة بأسلحتهم لمواجهة الاجتياح واستبدال هذه الاستراتيجية بأخرى جديدة، تعتمد على تقليل عدد من يتصدون للاجتياح مع استخدام تكتيكات فنية جيدة منها الأنفاق. سيد إسماعيل الصحفى الفلسطينى، حكى عن رجلين فقط من المقاومة تصديا، لدبابات أثناء الحرب لمدة 20 يوما، وأن الشهيد محمد بشير خضر من كتائب القسام استطاع أن يأسر جنديا إسرائيليا خلال الحرب الأخيرة، واستولى منه على بندقية (إم 16) إلا أن الطائرات الإسرائيلية استطاعت التوصل إلى المكان الذى يختبئ فيه وأسيره الصهيونى، فقصفت المنزل وقتلتهما معا، وحكى لى الصحفى الفلسطينى أن الشهيد جاء لأخته فى المنام وأخبرها بالمكان الذى أخفى فيه بندقية الجندى الصهيونى «وحينما فتشوا فى هذا المكان وجدوا البندقية فعلا».
عتاب جميلة
شاهدنا ما تبقى من آثار الدمار الذى خلفته البربرية الصهيونية فى الحرب على غزة والتى وصلت إلى مهاجمة عشرات المساجد وتدميرها بالكامل وضرب مئات المآذن، ووصلت الجولة التفقدية إلى جمعية لجرحى الحرب، وجدنا أطفالا وفتيات وشبابا ونساء على كراسى متحركة بترت القنابل الإسرائيلية أطرافهم، استقبلونا بابتسامات عريضة فشعرنا أننا نحن العاجزون وليسوا هم، كانوا أقوى منا، لم يتمالك النائب الإخوانى فريد إسماعيل نفسه فبكى وأبكى الجميع بينما اختار نوابا زاوية فى قلب القاعة ليبكوا بأنفسهم فى خفية، ومن بين الجرحى شاهدت فتاة رائعة الجمال، إنها جميلة الهباش فتذكرتها على الفور، إنها جميلة التى أبكت الملايين مثلى حينما شاهدناها على قناة الجزيرة أثناء الحرب وهى تحكى قصة إصابتها بصاروخ إسرائيلى بتر قدميها. كانت فتاة فى الصف الثالث الإعدادى وتلعب على سطح منزلها ولم تكن تعلم أن إسرائيل قررت أن تلعب معها بصاروخ يخترق جسدها، تذكرت حينما قالت جميلة لمراسل الجزيرة تامر المسحال إنها تتمنى أن تعمل صحفية، جميلة الآن فى الصف الأول الثانوى، توجهت إليها وقلت لها إنها أبكت كل المصريين حينما شاهدوها، فردت بابتسامة جميلة وساحرة مثلها وأخبرتنى أنها ذهبت إلى السعودية للعلاج وأن الملك عبدالله هو الذى أمر بعلاجها فى المملكة بعدما شاهدها فى قناة الجزيرة. ترفض الابتسامة أن تفارق وجه جميلة خلال حديثها لـ«الشروق» رغم كل ما تعانيه وتتحدث بصوت منخفض وهادئ، إنها ما زالت تعانى من مشاكل صحية كثيرة على الرغم من تركيبها لأطراف صناعية فى سلوفينيا، ترفض جميلة أن تنتمى إلى أى فصيل فى غزة فهى ليست حمساوية ولا فتحاوية هى فقط فلسطينية ـــــ على حد قولها، تذهب جميلة إلى المدرسة على كرسى متحرك وتصر بإرادة وتحدٍ على إكمال حلمها وهو الالتحاق بكلية الإعلام والعمل صحفية، تفاجئك جميلة بنظرات ثقة وإيمان بالله وتحدٍ وتقول عيناها «لا تتعجب ولا تأسى لحالى ولا تشفق على، فأنت هنا فى غزة»، حملتنى جميلة رسالة مفادها «أنا زعلانة وواخدة على خاطرى وعاتبة على المسئولين فى مصر لأن معبر رفح مغلق طوال العام»، وتطلب جميلة من الرئيس مبارك أن يفتح المعبر بصفة دائمة، جميلة تتصفح الانترنت وتقرأ بعض الصحف الفلسطينية استعدادا للعمل فى الصحافة، رفضت أن يلتقط المصور لها صورة أثناء حوارى معها، فقلت لها حينما تكبرين وتلتحقين بالعمل الصحفى ستعرفين أن الصورة بين الصحفى والشخص الذى يحاوره تعطى مصداقية للحوار فردت جميلة بابتسامة جميلة. وعلى مقربة منها جلس يوسف ريحان، ذلك الطفل الذى لا يتجاوز الـ6 سنوات، يوسف بترت يده بعدما اقتلعتها شظية قنبلة إسرائيلية، حملت يوسف وداعبته وسألته عما يريد فقال أبوه «ننتظر منذ عام ونصف العام أن نعالجه فى الخارج ولكن السلطات المصرية ترفض عبورنا عبر معبر رفح».
مذبحة عائلة السمونى
انتقلنا إلى المكان الذى قتلت فيه إسرائيل 29 من عائلة واحدة وهى عائلة السمونى، الجميع يتذكر تلك المذبحة التى حصدت خلالها آلة الحرب الإسرائيلية 3 أطفال رضع، ووقف أبوهم يبكى أمام عدسات المصورين مرددا باللغة العبرية «ماذا فعل هؤلاء الأطفال لك يا باراك»، ويبدو أن المكان تحول إلى مزار سياحى فكل الوفود التى تصل إلى غزة تقوم بزيارته. فالـ«29» الذين قتله جنود الاحتلال فى هذا المكان لم يكن لهم أى علاقة بالحرب ولا بفتح ولا حماس بل إن كبير عائلة السمونى كان يعمل فى إسرائيل لمدة 20 عاما، التقينا ألماظة ذات الاثنى عشر ربيعا لتحكى عن تفاصيل المجزرة التى جرت لعائلتها وكيف فقدت العشرات من إخوتها وأبناء عمومتها، تحدثت ألماظة أمام النواب المصريين فبكى البعض تأثرا، وفى الساحة التى وقفت فيها ألماظة تحكى تفاصيل المجزرة تم تثبيت لوحة ضخمة عليها صور الـ29 شهيدا بينهم الرضع الثلاثة. حكت ألماظه كيف جاء اليهود وجمعوا أبناء العائلة وغيرهم فى بيت السمونى وحبسوهم 3 أيام ثم أطلقوا عليهم قاذفات القنابل لتحصد النساء والشيوخ والرضع. ألماظه تشبه أى فتاة فقيرة من مصر ولكنها تحمل بداخلها ألما لا يتحمله جبل، تطالب ألماظة أيضا بفتح معبر رفح بصفة دائمة.
المقر السرى
السؤال يشغلنى فى غزة «هل وثّق الغزاويون جرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل فى حربها الأخيرة على القطاع، هل أجروا تحليلات للتربة والمياه لمعرفة تأثير الأسلحة المحرمة التى استخدمتها فى الحرب». حاولت البحث عن إجابة لهذه الأسئلة لدى مسئولى حكومة حماس فوعدونى بالرد فى الصباح، وفى الصباح اصطحبنى إعلامى من حكومة حماس إلى المقر السرى للجنة توثيق جرائم الحرب التى تقع فى قلب قطاع غزة، قال لى حسام «هذه اللجنة تابعة لوزارة العدل ويعمل بها قضاة ومحامون ويرأسها قاضٍ ومقرها كان سريا حتى لا تعرفه إسرائيل فتقصفه وتضيع مع القصف كل الأدلة التى تؤكد ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب واستخدامها أسلحة محرمة دوليا فى حربها على القطاع». نزلنا من السيارة وصعدنا إلى أحد الأبراج وتوقف المصعد أمام أحد الأدوار المرتفعة وأمام إحدى الشقق قام حسام بالضغط على الجرس، لاحظت عدم وجود أى لافتة على الباب تشير إلى ما يوجد داخل هذه الشقة فهز حسام رأسه معقبا «من أجل السرية». دلفنا إلى داخل الشقة والتقينا بضياء المدهون، رئيس اللجنة وهو قاضٍ وعضو بحكومة حماس، أخبرنا المدهون، أنه «تم تشكيل تلك اللجنة بعد الحرب مباشرة من قضاة ومستشارين ووكلاء نيابة وطواقم فنية، وانتشرت فى كل أنحاء القطاع لتحريز مضبوطات من مخلفات الحرب من بقايا الذخائر والصواريخ وملابس الجنود وقامت بأخذ عينات من أجسام الشهداء وأرشفت هذه الوثائق والأدلة إلكترونيا ثم اتصلت بجهات حقوقية دولية وخبراء قانون دولى من دول أوروبية وعربية لملاحقة مجرمى الحرب الإسرائيليين». وكشف المدهون لـ«الشروق» أن مذكرة القبض على تسيبى ليفنى التى صدرت فى بريطانيا «جاءت بفضل عمل اللجنة بعد أن نما إلى علمها أنها ستقوم بزيارة إلى لندن فقام أعضاء من اللجنة بالاتصال بمحامين فى لندن وأمدوهم بأدلة ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب فقاموا برفع دعوى أمام القضاء البريطانى، فصدرت مذكرة التوقيف». وكشف المدهون أن «الأشهر المقبلة ستشهد تحركات مماثلة فى سبيل ملاحقة مجرمى الحرب الاسرائيليين»، رافضا الإفصاح عن الدول التى ستكون مسرحا لهذه القضايا «حتى لا يأخذوا حذرهم».
توثيق الجريمة
وقال إن اللجنة «وثقت الأسلحة المحرمة دوليا التى استخدمتها إسرائيل فى الحرب ومنها الفوسفور الأبيض والدايم» وكشف عن سلاح جديد لم تتطرق إليه وسائل الإعلام «هو عبارة عن سلاح حرارى يرفع درجة حرارة الأرض التى يقع فوقها إلى ما يزيد على 3 آلاف درجة مئوية»، وأكد أنه «تم أخذ عينات من تربة وهواء غزة ومياهها الجوفية وإجراء تحاليل دولية لها فى إيطاليا وبمساعدة خبراء أسلحة دوليين وتم التثبت من استخدام إسرائيل لأسلحة محرمة دوليا». وأضاف القاضى ضياء الدين المدهون: «بعض الخبراء الدوليين ذوى الضمائر الحية ساعدوا اللجنة فى أخذ عينات الهواء والتربة والأنسجة وأخفوها بعد خروجهم من غزة وحللوها فى معامل دولية وأرسلوا نتائج التحليل إلى اللجنة فى غزة»، وأطلعنا المدهون على بقايا الصواريخ والقذائف التى جمعتها اللجنة ومنها قذائف فوسفور وقذائف دبابات وبقايا صاروخ موجه اسمه (النمرود) وبقايا الصاروخ (تاو)، وطلب منى أن أحاول تحريك بقايا قذيفة دبابة من على الأرض فحاولت ولم أستطع إطلاقا فسألت نفسى «لم أستطع أن أحرك بقايا القذيفة فماذا تفعل هذه القذيفة حينما تكون مليئة بالمتفجرات». وقدم المدهون لـ«الشروق» دراسة مهمة للجنة صدرت فى 20 مارس 2010 تفيد بأن علماء وباحثين أجروا أبحاثا ودراسات بيولوجية على عينات من أجسام الشهداء والجرحى والمواطنين وتم تقسيم الدراسة على مرحلتين: الأولى أثناء الحرب وتم فيها أخذ 18 عينة من أنسجة أجسام 15 شهيدا وجريحا، والمرحلة الثانية تمت بعد أشهر من الحرب وتم أخذ العينات فيها من 95 حالة، وكانت النتائج مذهلة على حد وصف الدراسة ومنها أن الباحثين وجدوا مواد مسرطنة مثل (اليورانيوم والكادميوم والزئبق والكروم والكوبالت والفاتيديوم والنحاس والزنك) فى أجساد الضحايا، وأنهم وجدوا مواد تؤدى إلى التسمم فى الجينات ووجدوا هرمونات تؤثر على الخصوبة الجنسية وتؤدى إلى العقم لدى الرجال والنساء. وأثبتت الدراسة التى أجراها علماء من إيطاليا منهم ماريوباربيرى ــ جامعة روما ــ وباولاماندوكا ــ جامعة جينوا ــ وماريوزيوباربيرى ــ جامعة لاسابيانسا، أن ضحايا الحرب من الشهداء والجرحى تعرضوا لأكثر من مصدر من المواد المسرطنة والسامة وأن عينات شعر الرأس التى تم أخذها منهم أثبتت تركيزا كبيرا لمادة الرصاص، ومن بين العناصر السامة التى أثبتت الدراسة استخدام إسرائيل لها فى حربها على غزة (المولبيدينوم) وهو عنصر سام للحيوانات المنوية ويؤثر على الخصوبة، وعنصر (التنجستن) وهو عنصر سام للأجنة، و(الكادميوم) ومعروف عنه أنه يسبب السرطان وغيرها من العناصر. وأوضح المدهون أن الفحوصات والدراسات والنتائج التى توصلت إليها اللجنة «كانت بعد تقرير جولدستون ولم تتمكن اللجنة من إرفاقها بالتقرير لأن النتائج ظهرت بعد إصداره والنتيجة أن 30% من أجنة غزة بعد الحرب مشوهون وهناك توقعات بتضاعف النسبة خلال عامى 2011 و2012».
أقرأ أيضا
Comments