بعد حكم القضاء بتحديد حد أدني للأجور.. كيف يمنح صاحب العمل موظفيه رواتب ضئيلة وينتظر منهم إنتاجية كبيرة؟
كثر الجدل في الآونة الأخيرة في ظل المطالبة حاليا بجعل الحد الأدني للأجور 1200 جنيه عقب صدور حكم قضائي بذلك للعامل ناجى رشاد وقبل أيام من احتفال مصر بعيد العمال.
في البداية ينتقد الدكتور علي ليلة أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس الفارق في الأجور لدي مجموعة معينة من الأشخاص الذي يحصلون علي آلاف الجنيهات بل يصل البعض منهم إلي ملايين الجنيهات شهريا في حين أن أغلب الشعب لا يتعدي الدخل الشهري له 200 جنيه. مؤكدا علي أن هذا يؤدي إلي حالة من الفوضي التي تدمر المجتمع.
ودعا إلي ضرورة أن يكون الحد الأدني للأجور متغيرا كل فترة ليتناسب وسد احتياجات المواطن. إضافة إلي دعم كثير من المواد الغذائية. مع عدم تجاهل الفئات الأخري من المواطنين الذين لا يحصلون علي أجور وهذا يتطلب إعادة النظر في أسعار المنتجات الأساسية. نافيا أن تتسبب زيادة الأجور في حالة الرفاهية التي تؤدي إلي زيادة الأسعار بسبب الادعاء بأن المواطن المصري سوف يقبل علي الاستهلاك في حالة زيادة الأجور. وهذا فيه ظلم للمواطن المصري الذي بينه وبين الرفاهية آلاف الأميال فهو بالكاد يسعي لسد المتطلبات الرئيسية.
وأشار إلي أن الحكومة تتحمل المسئولية الأساسية في حل المعادلة الصعبة بين الأجور والأسعار. فعليها أن تؤدي دورها المنوط بها في الرقابة علي الأسواق وتوفير السلع الأساسية بسعر مناسب.
وتري الدكتورة مديحة خطاب أستاذ علم النفس الاجتماعي أن عدم معالجة قضية الحد الأدنى للأجور بشكل صحيح يضر بالاستقرار الاجتماعي. وبالتالي لا يؤمن أي نمو اقتصادي حقيقي علي المدي القصير والمتوسط والطويل. مؤكدة أن حل قضية الأجور بشكل صحيح وعادل هو ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.
وقالت : إن وضع حد أدني للأجور يتناسب مع احتياجات الفرد وأسرته أمر ضروري حتي يتسنى للمواطنين أن يعيشوا حياة كريمة ويستطيع رب الأسرة أن يشتري كل احتياجات أسرته التي يرعاها. متسائلة: كيف يعيش المواطن الذي لا يتعدي دخله المائة جنيه شهريا في ظل الانفلات الجنوني في الأسعار.
وطالبت بإجراء بحث ميداني علي كل الأسر المصرية وعن احتياجات الأسرة المصرية من السلع بمشاركة خبراء الاقتصاد والاجتماع لتحديد الأجر المناسب حتي يتسني للمواطن أن يعيش حياة كريمة بعيدة كل البعد عن الحياة التي يعيشها البعض في ظل ارتفاع الأسعار الجنوني فلا أحد يتخيل أن الوجبة الواحدة للأسرة المصرية المتوسطة باتت تتجاوز مرتب بعض الموظفين في قطاعات الدولة.
وتختتم حديثها بالتأكيد علي أن تدعيم الأجور وربطها بزيادة الأسعار يسهم في تدعيم الطبقة الوسطي التي هي ذات أهمية كبري لتحقيق التماسك الاجتماعي. والاستثمار وتدعيم الإنتاجية من خلال الاستهلاك والعمل. مشيرة إلي أن بناء حد أدني حقيقي للأجور هو مهمة كبري. يجب أن يجري عبر مشاركة جميع المعنيين. علي أن يأخذ المسئولون هذا النقاش في الاعتبار بشكل جدي.
يؤكد الدكتور أحمد حسني أستاذ القانون وعميد كلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف علي أهمية أن تتناسب أجور العاملين مع الظروف العيشية وارتفاع الأسعار. علي أن يكون الأجر مناسبا للعمل أيضا. مشيرا إلي أن الأجور غير المناسبة قد تدفع بعض العاملين للسرقة والاختلاس. أو المساهمة بأقل مجهود في وظائفهم. لذلك يجب أن يعطي المسئولون عن العمل اعتباراً لمتطلبات تكلفة معيشة العامل عن طريق مده ببدلات أو مخصصات أسرية. مثال ذلك منح علاوة علي المرتب للمتزوجين وزيادتها بالنسبة للمتزوج ويعول. أو تظهر هذه المزايا عن طريق تخفيض في معدلات الضرائب بالنسبة لهذه الفئات .. مؤكدا أن زيادة أجر العامل حسب ظروف الحياة واجب شرعي علي ولي الأمر وحق قانوني ودستوري للمواطن. ووجب علي ولي الأمر أو المسئول عنه أن يقوم بتحقيقه.
ويشير الدكتور زكي عثمان أستاذ ورئيس قسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر إلي إن الإسلام حرم جميع ألوان الظلم ودعا إلي التخلص من خطوبه ومآسيه. ومن أظهر صور الظلم استغلال العمال ومنعهم أو بخسهم أجرة عملهم فإنه من أشد المحرمات بل إنه من ابرز مظاهر أكل المال بالباطل فقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة.. منهم رجل استأجر أجيراً فلم يوفه أجره. ولما تولي أمير المؤمنين علي عليه السلام زمام الحكم بعث لينادي عنه باللعين علي ثلاثة ـ احدهم ـ من خان أجيراً علي أجرته.
وقال : إن الإسلام حرم الاستغلال بجميع صوره وألوانه لأنه يحدث النزاع الطبقي ما بين العمال وأصحاب العمل والإسلام قضي علي الطبقية وحطمها وجعل التمايز إنما هو بالتقوى والعمل الصالح .. كما أن فكرة العدل والمساواة والإخاء التي أعلنها الرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم قد وقفت حائلاً دون ظهور النزعة الطبقية ما بين العمال وأصحاب العمل فلم نجد لها أثراً في صدر الإسلام لأن المجتمع كان يقدر الفرد بجهوده وخدماته وأعماله النافعة للجميع ـ فخير الناس من نفع الناس ـ ولم تكن حينئذ فكرة استغلال العامل أو ظلمه لأجره بظاهرة في جميع أنحاد العالم الإسلامي ومن أهم حقوق العامل تحديد أجور عمله فلا يجوز جهالتها لما في ذلك من الغرروالغبن . ûومن جانبه يؤكد الدكتور عبد الوهاب فكري المدرس بكلية الدراسات الإسلامية بأسوان أن تحديد الأجور من أهم القضايا الاجتماعية. وذلك لأن مستوي الأجور يحدد فعلا مستوي معيشة العامل فإذا كان عادلاً فانه يضمن له الحياة الكريمة وان لم يكن كذلك فانه يسبب بؤسه وشقاءه. ويفضي بالآخرة إلي المنازعات والخصومات ما بين العمال ورب العمل. وقد حرص الإسلام علي أن تكون الأجور عادلة ولذلك حكم بخيار الفسخ فيما إذا تبين للعامل الغبن في أجوره كما حكم في كثير من مقامات فساد الإجارة بإعطائه أجرة المثل وهي التي يقدرها العرف فلا يصيبه أي ظلم أو حيف.
وأضاف : يجب علي رب العمل أن يدفع الأجور إلي العامل بعد انتهائه من العمل سواء أكان الأجر علي أساس اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو كان علي أساس آخر فانه يجب دفع الأجر إليه مرة واحدة.
وعاد ليؤكد انه ليس من غير المنطقي أن يمنح أرباب العمل موظفيهم رواتب ضئيلة وينتظروا منهم إنتاجية كبيرة
Comments