الهامى المرغنى يكتب اليسار المصري ومعضلات إعادة البناء

الهامى المرغنى

تتعسني فكرة إني هموت

قبل ما أشوف- لو حتى دقيقة-

رجوع الدم لكل حقيقة..

وموت الموت..!!

قبل ما تصحي..

كل الكتب اللي قريت

والمدن اللي ف أحلامي رأيت

والأحلام اللي بنيت

والشهدا اللي هويت

والجيل اللي هدانى

والجيل اللي هديت..!!

قبل ما أملس ع الآتي

وادفن كل بشاعة الماضي

في بيت.!!

عبدالرحمن الأبنودي

منذ أكثر من عشر سنوات ترتفع الأصوات حول كيف يتجاوز اليسار الماركسي الاشتراكي المصري أزمته ويعيد بناء نفسه بشكل يتناسب مع المتغيرات التي شهدها العالم والأحزاب اليسارية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وحتى الآن. منذ استعاد اليسار حيويته السياسية مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية ومشاركته في اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة وهناك جدل مستمر حول وضع اليسار ضمن المعادلة السياسية وهل يكتفي بدور التابع للقوي السياسية الأخرى في الأحداث المختلفة ؟ أم أنه مطالب بموقف واضح ومستقل؟ وهل توجد لدي اليسار المقومات والقوي اللازمة لإعادة البناء؟!

لقد ماتت تجربة التحالف الاشتراكي وكذلك تجربة اتحاد اليسار وأثبتت التجربة بما لا يدع مجالاً للشك أنه قد جرت في النهر مياه كثيرة وأنه يصعب بناء حزب جديد يجمع كل أطياف اليسار وأن هذا وهم يؤدي لتشتيت الجهود واستنزاف طاقتنا المحدودة.

يصعب أن يجلس من يتحالف مع الأخوان مع من يري أن الأخوان قوي معادية للتقدم والديمقراطية وبين من يري التمسك بالحزب السري ومن يريد بناء حزب علني ، بين من يري الشيخ حسن نصر الله رمز للمقاومة ومن يراه جزء من مخطط تفتيت المنطقة ، بين من يري صعوبة بناء الاشتراكية قبل استكمال التطور الرأسمالي ومن يري أن استكمال التطور مهمة الاشتراكيين ، وبين من يري حماس قوي مقاومة ومن يراها حركة معادية للديمقراطية ، وبين من يري تعميق استبداد النظام ومن يعول الآمال علي المشاركة في الحكم ، بين من يري الديمقراطية التمثيلية طريق للتغيير ومن يري الديمقراطية الشعبية والمشاركة الحقيقية هي البديل. إذا من الوهم أن نتخيل إمكانية تجميع هذا الخليط في بناء واحد وكل محاولات التجميع ستكون استنفاذ للوقت والطاقة المحدودة أصلاً.

لقد وصل حزب التجمع اليساري لأعلي مراحل ضعفه ليصبح جزء من المعادلة الحكومية رغم كل المحاولات التي يبذلها بعض المخلصين داخله للإصلاح ويكفي متابعة اللجنة المركزية الأخيرة والموقف من الأستاذ أبو العز الحريري لنتأكد من مصير ومستقبل التجمع. أما الأحزاب السرية وهي الحزب الشيوعي المصري وحزب الشعب الاشتراكي ومنظمة الاشتراكيين الثوريين فهي تعاني منذ سنوات رغم الصمود الفردي لبعض كوادرها ولكنها ظلت عاجزة عن توحيد حركتها وتنسيق جهودها ويكفي أن ننظر لمشاركة كوادرها في التحركات العمالية الأخيرة لنعرف مدي عمق الأزمة والصراع اليساري اليساري.

لقد عجزنا عن بلورة منبر لإدارة الحوار وأصبح لدينا فقر في الإنتاج الفكري والسياسي ، كما عجزنا عن تنسيق مواقف مشتركة في التعامل مع الحركة العمالية، وأصبحت مشاركة الفصائل اليسارية تقود للتفتيت بدل من أن تقود للتوحد والتلاحم.

البناء الجديد وضرورة الفرز

لقد ترسخت لدي عبر سنوات قناعة أنه من الصعب خلط المكونات اليسارية المتنوعة في مزيج واحد وتعطيل كل منا للآخر.الأفضل هو أن تسعي كل مجموعة تتفق علي بعض الثوابت علي بلورة كيان خاص بها وتطبيق أفكارها علي أرض الواقع من خلال اشتباكها مع الأحداث بدل من الحوارات التي لا تنتهي واستنزاف الطاقات وتحول الخلافات السياسية إلي خلافات شخصية.

يصعب علينا في ظل محدودية طاقتنا وقدراتنا أن يكون لنا موقف في كل القضايا وان ندخل كل المعارك لأنه رحم الله أمريء عرف قدر نفسه .إذا كيف يمكن أن نسير في اتجاه التراكم البطئ البعيد عن موقفنا من كل المعارك الكبري والبعيد عن عدسات الفضائيات وسلالم النقابة والنائب العام. كيف يمكننا بناء حزب اشتراكي له رؤية واضحة من التغيير ومستقبل مصر ولديه مرتكزات جماهيرية حقيقية وليس مجرد حشود كاذبة.

كيف نبني الحزب الجديد

يتم ذلك من خلال بلورة منبر للحوار السياسي أو موقع الكتروني يمكن من خلاله التعامل مع مختلف قضايا بناء الحزب وبناء الاشتراكية.يتم ذلك من خلال دفع الرموز الجماهيرية لخوض كافة المعارك الجماهيرية والتعامل بمنطق البناء التراكمي الطويل النفس وليس بمنطق لمس الأكتاف أو الضربة القاضية التي لن تحدث في ظل موازين القوي الحالية.

معركة النقابات العمالية والمهنية وبناء نقابات مستقلة معركة يجب أن نحشد لها كل الجهود. لأننا لن نغير نظام الحكم ونحن عاجزين عن تحرير نقابة عمالية أو مهنية.لن نغير نظام الحكم عبر بطاقات الانتخاب فقط ولكن عبر بناء منظمات متنوعة تتناسب ومستوي وعي الجماهير بدء من جمعيات النظافة ونوادي السينما إلي روابط المياه وروابط المرضي وروابط السكان والمنتفعين.

إننا بحاجة للبناء في طريق نقابة الضرائب العقارية ولجنة الدفاع عن أرض مطار إمبابة وروابط الفلاحين والمياه.إننا بحاجة لدعم كل المبادرات الجماهيرية التي تسبقنا وأن نتعامل معها.

علينا أن نقيم مشاركتنا في أي موقف أو معركة علي أساس علاقته بقضية استكمال بناء الحزب وتحويل اليسار المصري إلي رقم فاعل في المعادلة السياسية.لكن من غير المقبول تبديد الطاقة والجهد في معارك لن تضيف شئ لمعركة البناء .إن إثبات الموقف اليساري قضية لا تعنينا في ظل موازين القوي الحالية ، وفي ظل افتقاد الحزب.الإثبات نحتاجه عندما يكون لنا وجود حقيقي وفاعل.

كان موقفنا في انتخابات برلمان 1976 مبرر ونحن خارجين من صفوف الحركة الطلابية للشارع أن يكون هدفنا نشر البرنامج الوطني الديمقراطي دون أن يكون هدفنا عضوية البرلمان. لكن من غير المقبول ومن غير المبرر أن يستمر هذا النهج بعد 34 سنة وألا يكون نوع من الجنون والعته. هل لدينا رموز حقيقية يمكننا أن ندفع بها أم نتعامل باعتبارها معركة وتنتهي.

يقترح البعض المقاطعة ويقترح البعض النزول بمرشحين في كل الدوائر وكلا المقترحين خاطئ . لأن لدينا بوصلة نقيس عليها . هل لدينا رموز حقيقية نثق بها ويمكن أن تحمل رؤيتنا وبرنامجنا للبرلمان؟! إذا كان ذلك حقيقياً فعلينا تحديد الدوائر التي لنا فيها تاريخ ومرتكزات لخوض الانتخابات بمرشح يمكن أن يصل للبرلمان بنفوذ حقيقي وليس بصفقة مع الحكومة مثل مرشحي التجمع. من هم الشباب الذين وصلوا لسن الثلاثين ويمكن الدفع بهم للتأسيس للوصول للبرلمان.لقد خاض الزملاء الدكتور احمد عبدالله رحمه الله والزميل كمال خليل معركتين في البرلمان السابق يجب دراستهم واستخلاص الدروس اللازمة منهم.

علينا الاشتباك مع كل التشكيلات الشبابية والحوار معهم سواء المدونين أو شباب 6 ابريل أو أي تجمعات أخري لأنه من غير المنطقي أن يظل جيلنا ممسكاً بكل مقاليد الأمور وننتقد علي الرأسمالية نفس التوجه.كيف ندفع بالشباب لمختلف المواقع والمعارك لأنهم المستقبل ولأنهم يحملون مخرج حقيقي من الأزمة.

إن تحول اليسار إلي رقم فاعل في المعادلة السياسة يحتاج إلي تراكم طويل النفس وربما تكون بعض المعارك القريبة مجرد استنفاذ للجهد والطاقة.

قبل أن نفكر في موقفنا من انتخابات الرئاسة القادمة بعد سنتين علينا أن نفكر في بناء حزب يساري حقيقي له وجود فاعل في الشارع وليس مجرد كتلة من أفنديات القاهرة الواقفين علي سلالم النقابة.حزب له نفوذ حقيقي يمتد في كافة الطبقات الشعبية ويمتد نشاطه من سيناء إلي مطروح ومن الإسكندرية إلي حلايب وشلاتين.بدون ذلك سنظل ندور في حلقات مفرغة ونظل ننعي حظنا العاثر ونتحدث عن فشلنا المائة.

قبل أن نحدد موقفنا من انتخابات البرادعي أو البرلمان أو أي معركة قادمة علينا أن نحدد أولاً رؤيتنا المشتركة ومن يتفق معنا عليها . ثم نحدد كيف نوجه طاقتنا المحدودة للمعارك الكثيرة القادمة.وكما قال الأبنودي:

حاقولها بالمكشوف:

خايف أموت من غير ما أشوف

تغير الظروف.

تغير الوشوش..

وتغير الصنوف!!.

والمحدوفين ورا

متبسمين في أول الصفوف.

خايف أموت وتموت معايا الفكرة

لا ينتصر كل اللي حبيته..

ولا يتهزم كل اللي كنت أكره..

أتخيلوا الحسرة!!

Comments