عبد الحليم قنديل يكتب لصوت الأمة عــن التــوريث وجمـاعــة أمريكــا

·
لدي وثائق تثبت أن أيمن نور تلقي دعوات من 4 جهات مشبوهه ذات صلة باللوبي الصهيوني في أمريكا وإحداها قناع للمخابرات الأمريكية

لماذا أعلنت حركة 'كفاية' خـــروجها رسميا مما يسمي 'الحملة المصرية ضد التوريث'؟، قد يثير الموقف تساؤلات بلا نهاية، وخصوصا لدي الذين قد تغيب عنهم تفاصيل خرائط المعارضة المصرية، وفي أعناقنا دين أن نشرح القصة كلها للرأي العام.

وقد لايتسع المقام لرواية تفاصيل بلا حصر، فقط نتوقف عند الإشارات الكبري، فقد تلقيت ـ بصفتي المنسق العام لحركة كفاية ـ دعوة من أيمن نور المرشح الرئاسي السابق أوائل تشرين الأول (اكتوبر) 2009، كان العنوان: دعوة لإنشاء ما يسمي 'الجبهة المعارضة للتوريث'، بدت الدعوة بعناوينها مثيرة للريب، فأيمن نور ـ لأسباب كثيرة ـ شخص ملتبس، وعلاقاته الأمريكية بالذات مثار شبهات وتكهنات، ثم أن الدعوة لجبهة جديدة بدت غريبة، فكفاية ـ في ذاتها ـ نواة ائتلاف وطني جامع ضد التمديد والتوريث معا، ثم أن كفاية بادرت بالدعوة لإنشاء 'ائتلاف المصريين من أجل التغيير'، وهو جبهة واسعة تضم سبع حركات سياسية راديكالية مع قادة الغضب الاجتماعي ومئات الشخصيات العامة، وسبق لأيمن نور نفسه أن وقع علي بيانها التأسيسي الذي أعلن في 4 نيسان (أبريل) 2009 ، وفي حوار لاحق بيننا جري بناء علي طلب وإلحاح نور، أبلغته رفض كفاية لتسمية 'الجبهة'، وبدواع مفهومة، فنحن لانريد تفتيت الجهد الائتلافي الذي جري، ونعطي الأولوية للبناء عليه، ثم صارحته بمخاوف من تفتيت قضية التغيير بعد تفتيت التنظيم، وحصر الموضوع كله في معارضة توريث جمال مبارك، وكأننا نتغاضي ضمنا عن التمديد لرئاسة مبارك الأب، بينما خطر التوريث في وضع العرض لمرض التمديد، وكان اقتراحنا أن يتغير المسمي إلي 'الحملة المصرية ضد التوريث'، وأن تتضمن وثيقتها الأساسية رفضا للتمديد والتوريث معا، وأن يكون نشاطها في صورة حملة نوعية متصلة ببرامج عمل 'ائتلاف المصريين من أجل التغيير'، ووافق نور بحماس ظاهر، وجرت الدعوة ـ من جانبه ـ لاجتماع الأطراف المستعدة للمشاركة في 14 تشرين الأول (اكتوبر) الفائت، وهنا وقعت الصدمة الأولي، فقد ذهبت الأطراف ـ وبينها ممثل لجماعة الإخوان ـ إلي اجتماع تشاوري في مقر حزب 'الغد'، وفوجئت بنور، وقد أعد مؤتمرا صحفيا بدون مشورة أحد، وحول القصة كلها إلي حفل التقاط صور بدا فيه في صورة زعيم المعارضة، وهي صورة متلفزة تزيف الحقائق علي الأرض، وبدت كطعنة مبكرة واختصار مخل يشوه القصة كلها.

وفي اجتماعات تشاورية لاحقة، بدا التوتر محمولا علي أعناق الكلمات، وأصرت 'كفاية' علي نقل الاجتماع من مقر 'حزب الغد' الذي يتزعمه نور، وهو ماتحقق، وتم إلغاء تعبير 'ما يحكمش' الذي اتخذه نور شعارا للحملة من طرف واحد، وبدواعي نقص لياقته اللفظية، فالتعبير دارج في أفلام السينما المصرية علي شفاه الراقصات، وفي مواقف 'المتمنعات وهن الراغبات' (!)، ولا تصح مقارنته بشعار 'كفاية' التلقائي البليغ الناطق، واضطر نور للتراجع، وسحب الشعار الركيك، ثم تواترت دواعي الريبة في أصل القصة، فقد ثبت أن سعد الدين إبراهيم وجماعات لأقباط المهجر في أمريكا تلعب من وراء ستار، وكانت علي صلة بمبادرة أيمن نور، وهنا أصرت 'كفاية' علي قصر المشاركة في الحملة علي المصريين في الداخل، وشددت علي ربط العداء لنظام مبارك تمديدا وتوريثا بالعداء للمشروع الأمريكي الصهيوني وأدواته وإدارته الأمريكية، كانت دواعي الريبة تتكاثف، وكان الحرص زائدا علي تضمين مبادئ كفاية في نص وثيقة 'رسالة الحملة'، ونجحنا في الحصول علي إجماع الأطراف المشاركة مع تململ ظاهر لأيمن نور، وقبل أن يجف حبر الوثيقة تكشف المخبوء الأخطر، فقد جري الإعلان عن سفر أيمن نور لأمريكا، وعن اللقاءات التي أعدت له هناك، وانفجر الصدام صاخبا في اجتماع عقد بمقر حزب الجبهة الديمقراطية الذي يترأسه د . أسامة الغزالي حرب، وهو حزب ليبرالي أشد ضعفا من حزب أيمن نور، ولم تكن الحكاية في السفر المزمع كطقوس وإجراءات، ولا في قرار النائب العام بمنع نور من السفر، فنحن ضد منع أي مواطن من السفر خارج أحكام القضاء، وحرية التنقل من الحريات المدنية الأساسية، لكن الأهم كان في وثائق الدعوات التي حصلنا عليها، والتي كانت موضوعا لمواجهة ساخنة أخيرة، وقررت كفاية بعدها ترك الحملة نهائيا، ولاعتراضات جوهرية علي مبدأ الاتصال أو الحوار مع الإدارة الأمريكية وسفارة 'العم سام' بالقاهرة .

في الوثائق ـ الموجودة لدينا ـ دعوات لنور من أربع جهات، أولها 'ائتلاف المنظمات المصرية في أمريكا'، وهي جماعة لأمريكيين ذوي أصل مصري، والقوة الدافعة فيها لسعد الدين إبراهيم وكميل حليم من أقباط المهجر، وصلة إبراهيم بالإدارة الأمريكية مشهورة، فهو البوابة الكبري لتوزيع تمويل بالملايين علي جهات مصرية مقربة من أمريكا، ناهيك عن ارتباط جماعات من أقباط المهجر باللوبي الصهيوني في أمريكا، وجاءت الدعوتان الثانية والثالثة من مركز أبحاث 'كارنيجي' ومجلس العلاقات الخارجية، والجهتان من مراكز التفكير الوثيقة الصلات بالمؤسسة الأمريكية السياسية والأمنية، وفي الدعوة الرابعة يتكشف الارتباط المباشر بالإدارة الأمريكية، وبغير شك ولا التباس ولا تأويل، فقد وجهت الدعوة من الوقف القومي للديمقراطية n.i.d، وهذه هيئة تتبع الكونجرس الأمريكي، وتتلقي موازنتها السنوية الضخمة من موارد الخزانة الأمريكية مباشرة، وتعد واحدة من أخطر الأقنعة والواجهات التي تعمل المخابرات المركزية الأمريكية من خلالها، وفي خطاب الدعوة ـ تحت يدنا ـ تأكيد لحضور أعضاء كونجرس وممثلين عن الإدارة الأمريكية في اللقاء الذي كان معدا لنور، ثم أن خطاب الدعوة لايخفي ذقنه، ويشير إلي دعوة أيمن نور للحديث عن أولويات أمريكية خالصة للإصلاح الديمقراطي في العالم العربي، ولا يدعك الخطاب تخمن أو تفسر في شروح الإصلاح الذي يقصده، فهو يتحدث عن 'إصلاح' بانت بشائره وتوالت، وبالذات مع ما يسميه الخطاب 'هزيمة الإسلاميين في لبنان' والانتخابات العراقية الناجحة، أي أن الإصلاح الديمقراطي ـ في نظر الإدارة الأمريكية ـ هو هزيمة حزب الله انتخابيا ونجاح المالكي ودمي أمريكا في العراق، وحين قمنا بعرض الوثائق التي لم يجادل نور في صحتها، بدا نور وكأنه وقع في الحفرة، وقال إن 'إنجليزيته ضعيفة'، وإنه لو كان يعرف ما كان قبل الدعوة، وهنا توجهنا إلي د. حسن نافعة مدير الاجتماع، وقلنا له إن 'العذر بالجهل' وارد جدا، وطلبنا إليه أن يصدر ـ بصفته منسق الحملة ـ بيانا ينهي اللغط، ويؤكد علي حظر اتصال أي طرف في الحملة بالإدارة الأمريكية في أي مستوي من مستوياتها، ومن البيت الأبيض إلي الكونجرس إلي منظمات التمويل إلي السفارة الأمريكية بالقاهرة، وبدا 'نافعة ' في حرج مربك، وكأننا نطلب منه أن يشرب السم، وقذف في وجوهنا بالمفاجأة الأسوأ، قال أنه هو نفسه لبي دعوات سابقة بالذهاب إلي السفارة الأمريكية بالقاهرة، وقد يلبي دعوات لاحقة، بينما انبري أسامة الغزالي حرب الذي كان يجلس إلي جوار نافعة، وقال ـ مفاخرا ـ إنه عائد لتوه من السفارة الأمريكية، وهنا كدنا ننفجر من الضحك غيظا (!)، فقد وصلت الكوميديا السوداء إلي منتهاها، وبدا كأن المشهد العبثي قد يغري بتقديم اقتراحات من ماركة نقل اجتماع حملة التوريث بدوره إلي السفارة الأمريكية.

هذه قصة خروجنا، ولها ملحق تفسير يتعلق بدواعي رفض كفاية لأي اتصال أو حوار مع الإدارة الأمريكية، ورفض العمل ـ جملة وتفصيلا ـ مع أطراف 'جماعة أمريكا' في مصر، فنحن نعتبر أن وجود أمريكا في مصر نوع من الاحتلال السياسي، ونعتبر أن السفارة الأمريكية ـ في جاردن سيتي ـ هي دار المندوب السامي الجديد، وأن نظام مبارك ـ بنسختي التمديد والتوريث ـ هو الوكيل المحلي للسياسة الأمريكية، وأن علاقة السفارة الأمريكية بقصر رئاسة مبارك أعادتنا إلي ما قبل ثورة 1952، وتماما كما كانت علاقة قصر الملك بدار المندوب السامي البريطاني، وهو ما يحدث فروقا واسعة في النظر إلي قضية التغيير في مصر، فكفاية تتبني أجندة وطنية ديمقراطية اجتماعية بامتياز، وتسعي لتحرير مصر من الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية، تماما كما تسعي لخلع الديكتاتور، وتحرير المصريين من استبداد النظام الناهب الخادم للأمريكيين والإسرائيليين، وفي وثائق كفاية وائتلاف التغيير، يتجلي رباط 'العروة الوثقي' بين استعادة استقلالنا الوطني وكنس نظام الديكتاتور، فقد وضعت مصر في القيد بتداعيات معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والتي أدت مضاعفــــاتها إلي نزع سلاح غالب سيناء، ثم جاءت المعونة الأمريكية الضامنة لتــــنزع ســيادة قرار السياسة والاقتصاد في القاهرة، و مع تحول النظام من حكم الحزب الواحد إلي صيغة حكم العائلة الواحدة، توثقت صلات الرحم بين العائلة الحاكمة ودار السفارة الأمريكية، وصار علي مبارك الأب أن يجدد أوراق الاعتماد الرئاسي ـ كل حين ـ من البيت الأبيض، وأن يدفع 'الجزية' لحساب إسرائيل طلبا لرضا 'الباب العالي' في واشنطن، تماما كما يفعل جمال مبارك كوريث محتمل، ويذهب في زيارات سرية وعلنية لتوثيق أوراق اعتماده بأختام الإدارة الأمريكية، ويكفي ـ بعد حقائق الهيمنة علي السياسة والاقتصاد ـ أن نتأمل خرائط توزيع القوات الأمريكية في مصر، فالقوات المتعددة الجنسيات في شرق سيناء غالبها من الأمريكيين، والأمريكيون يديرون محطة الإنذار المبكر، أضف إلي ذلك ـ وهذا هو الأخطر ـ ما ورد في تقرير أخير للجنرال الاسرائيلي آفي ديختر، فقد كشف عن تواجد ما أسماه نقاطا لقوات المارينز في القاهرة نفسها، وأنها مستعدة للتحرك وقت الخطر، وبانتظار وصول الامدادات اللاحقة، والمحصلة: أن أمريكا ـ حتي بالمعني العسكري المباشر ـ قوة دعم لديكتاتورية النظام المصري، فوق كونها قوة الإسناد الأولي لإسرائيل كأعظم خطر علي الوجود المصري.

Comments