محمد البرغوثى يكتب إعلان «وفاة» شركة عملاقة
قبل عامين تقريباً، كتبت مقالين عن «شركة الكراكات المصرية»، حذرت فيهما من النية المبيتة لتقويض هذه الشركة العريقة من الداخل تمهيداً لتصفيتها، وبعد أيام قليلة من كتابة المقال الثانى أصدر محمود محيى الدين، وزير الاستثمار، قراراً بحل الشركة القابضة للتجارة التى كانت تتبعها شركة الكراكات، وآنذاك انتبه المعنيون بأمر شركات قطاع الأعمال إلى أن الهدف من حل الشركة القابضة للتجارة ليس إنقاذ الشركات التابعة لها من الخسارة، ولكن «الحل» كان محاولة أخيرة لبعثرة ملف صفقة بيع شركة عمر أفندى، وإحالته ناقصاً إلى شركة قابضة جديدة هى القومية القابضة للتشييد والتعمير.
ومرت الأيام والشهور وتكشفت عن صفقة عمر أفندى أهوال ومهازل، تبذل «القومية للتشييد» جهودا مضنية للإفلات من تبعاتها المحزنة، وعلى صعيد آخر سارعت «القومية» منذ اللحظة التى آلت إليها «شركة الكراكات المصرية» بضخ أموال طائلة بلغت حوالى ١٣٤ مليون جنيه لإنقاذ «الكراكات» من الخسائر المتلاحقة، وتم الاتفاق آنذاك على أن توفق الشركة أوضاعها بحيث تصل إلى نقطة التوازن فى موعد أقصاه ٣٠/٦/٢٠٠٩.
والحقيقة أننى انشغلت تماماً عن متابعة أحوال شركة الكراكات، حتى وقعت عينى مصادفة على إعلان بارز فى جريدة «الأهرام»، أوائل شهر أكتوبر الجارى، تعلن فيه شركة الكراكات المصرية عن جلسة مزاد بيع عدد كبير من حفاراتها ومعداتها الضخمة يوم الأحد الموافق ١١ أكتوبر ٢٠٠٩، وعندما اتصلت بمن أعرفهم داخل الشركة، اكتشفت - بالمستندات والوثائق الرسمية - أن هذه الشركة العملاقة تحولت إلى كومة أنقاض، وأن حفاراتها ومعداتها وأوناشها التى لا يوجد لها مثيل فى الشرق الأوسط ولا فى دول حوض النيل، تحولت بفعل فاعل إلى هياكل معطوبة تم بيعها خردة فى مزادين متتاليين،
الأول فى ٢٨/٥/٢٠٠٩، والثانى فى ١١/١٠/٢٠٠٩، والمؤلم أن مئات الحفارات والأوناش واللنشات والسيارات والجرارات وآلاف قطع الغيار وعشرات الشفاطات العملاقة والبلدوزرات تم بيعها كلها بأربعة ملايين جنيه فقط، علماً بأن سعر الشفاط الواحد - على سبيل المثال - يزيد حالياً على ١٥ مليون جنيه.
لماذا اضطر اللواء محمد منتصر، رئيس مجلس إدارة شركة الكراكات إلى بيع معظم معدات الشركة خردة؟
لا أحد يعرف إجابة شافية.. ولكن المهندسين القدامى بالورش العملاقة التى تملكها الشركة فى منطقة أبوزعبل يعرفون أن شركتهم العريقة فى الطريق إلى الاندثار، والخروج التام من أجندة تطهير مجرى النيل وروافده من المنبع إلى المصب، فقد كفت الورش منذ سنوات عن صيانة المعدات وعن صناعة قطع الغيار، وتم إخلاء الساحة لشركة كراكات عربية التهمت الآن معظم مقاولات التطهير والتجريف وشق القنوات الجديدة وتكسية الشواطئ.
بقى شىء مخيف أملك كل مستنداته، هو أن شركة الكراكات حققت خسائر تصل إلى ١٤ مليون جنيه فى الموازنة الأخيرة.. وتوقفت تماماً عن سداد مستحقات مقاولى الباطن الذين حصلوا على ٤٣ حكماً قضائياً نهائياً.. ويستعدون الآن للحجز على أصول الشركة وأموالها السائلة فى البنوك.. كل هذا ولم يزل اللواء منتصر - أحد أبطال قصة بيع عمر أفندى - راسخاً فى مكانه!
Comments