عبد الوهاب المسيري.. واحد من فرسان هذا الزمان


لندن- د. أحمد مصطفي

وكأن ما يسمعه المرء من أخبار الوطن لا يكفي حزناً وهما، فيأتيك سطر علي البريد الإلكتروني يحمل خبر وفاة المفكر الكبير الدكتورعبد الوهاب المسيري رحمه الله. وإذا كانت الآجال بيد الله،والفقيد العظيم يعاني من المرض الشديد وقد بلغ السبعين من العمر، إلا أن إصراره ومثابرته كانت تجعلك دوما تظن أنه سيمشي في جنازتك لا أن تنعيه أنت!

لست مؤهلاً للحديث عن إنجاز البروفيسورالمسيري الفكري والموسوعي، فهناك من هم أقدر مني علي ذلك، لكن معرفتي به في فترات محددة تجعلني مكلوما في رمز من رموز جماعة مرجعية للأمة المصرية لم يتبق منها الكثير أحياء. فقد لحق المسيري بالدكتور رمزي زكي وعادل حسين وإسماعيل صبري عبد الله وغيرهم من جيل من المثقفين المحترمين الذين لم تؤثر التغيرات العاتية في قناعاتهم المبدئية، فظلوا نموذجاً للالتزام أصبحنا نفتقده في جميع مناحي حياتنا.

كان المسيري، وسيظل، قدوة في الأصالة والمبدئية، رغم تعليقات وملاحظات كثيرين من أهل اليسار واليمين علي مواقفه الفكرية في مسيرة حياته والتي للأسف كانت في أغلبها لدوافع ذاتية وتتسم بقدر من السطحية وتفتقر للأصالة. ورغم أن الفقيد كان أستاذاً للأدب الإنجليزي، ونهل من ثقافة الآخر بقدر غير مسبوق إلي حد ما، لكنه كان أيضاً أصيلاً متيناً في جذوره الفكرية بما لم يشوه رؤيته ويقيه فتنة التسطيح والتفاهة التي أصبحت سمة لحياتنا الفكرية إلي حد ما.

لا يمكنني الادعاء بأني من تلاميذ البروفيسورالراحل، فأنا في النهاية إعلامي «أي موصلاتي» ولست أكاديميا أو مفكراً. لكن تعرفي عليه عن قرب في فترة حرب الخليج الأولي، ولقاءه فيما بعد في مصر وخارج مصر، واطلاعي علي ابداعاته الفكرية والموسوعية كان دائماً سنداً لأمثالي في مواجهة موجات التسطيح العاتية وحملات التزييف والتضليل التي ترتدي مسوحاً شتي وتملك وسائل إغراق إعلامي هائلة.

رحل الدكتور المسيري بعد أن أدي الأمانة التي حملها عن قناعة، وترك تلاميذ ومريدين تعلموا منه منهجه وبعض مبادئه، كما أن أعماله وسيرته «أحدث كتبه» ستظل هاديا لمن يريد الاسترشاد برؤي الفرسان، وستبقي دليلاً علي أن هذه الأمة لا تموت طالما تنجب أمثال المسيري.

Comments