مدحت الذاهد يكتب عن احدى فصول كتاب عبد الحليم قنديل بعنوان بلد يحترق

مدحت الزاهد

يشغل الحريق عبدالحليم قنديل، ويسيطر عليه هاجسه وهو يستخدمه بالمعني المادي، والمعني الاجتماعي الشامل.. ولا غرابة أن يكون "بلد يحترق" هو أول عناوين فصول كتابه المشهور إعلاميا بـ«أيام مبارك الأخيرة»، بعد مقدمة عنوانها "نهاية مبارك".
ووفقا لرؤية قنديل ورؤي أخري كثيرة يمكن استنتاج أن لحريق مجلس الشوري بقية! ليس بالمعني المادي بالضرورة، بل بالمعني الاجتماعي والسياسي.. والحقيقة أن أحوال السيكولوجية الجماهيرية ساعة الحريق، في حاجة إلي مناقشة، سوف أعود إليها، لأنه مثلما يمكن أن يكون مشهد حريق الشوري "بروفة" لحريق أكبر فإن الدلالات السيكولوجية لهذا الانفصال الجماهيري عن كل رمز يتصل بالحكم تحمل أكثر من جرس إنذار.
وفي مقدمته "نهاية مبارك" يسأل قنديل: هل يحكم الجيش؟ هل يحكم جمال مبارك؟ هل من طريق لمرحلة انتقال سلمي من حكم العائلة إلي حكم الشعب؟
بنجدة الأقدار، أو بيقظة الناس، أو بالانزلاق إلي انفجار اجتماعي وبتكلفة دم لا يريدها أحد لهذا البلد، كيف ستكون النهاية؟
العد التنازلي لنظام مبارك بدأ من زمن، مات النظام إكلينيكيا، مات النظام سياسيا، ولم يعد غير انتظار مراسم الدفن.. وكان الأمل ألا تكون النهاية حريقا للبلد، فالنظام يبدو مصمما علي دفن البلد في ذات اللحظة التي يدفن فيها.. النظام يبدو معلقا هناك من حول بيت الرئاسة، بمماليكه ومليارديراته وجنرالاته، وبلا قاعدة اجتماعية تسند، أو يمكن تجديدها.
منذ نهايات عام 2006 وإلي الآن تندلع الإضرابات والاعتصامات ووقفات الاحتجاج، وكلها محظورة من قبل النظام، لكن تفشي البؤس العام أخرج الناس أخيرا عن ملة الخنوع، وصحا البلد من الغيبوبة. وقد تبدو مشاهد الصحوة مفرقة بالجغرافيا ومنخفضة السقف بالمطالب الجزئية، لكن إفلاس النظام الناهب وتورطه في جرائم شفط ثروة البلد وسرقته بالإكراه وعجزه الكلي عن تجديد الرضا العام، ووضعه المعلق كالنبي سليمان حين مات، فلم يلحظ أحد أنه مات، إلا حين نخر النمل العصا. والنظام الميت سياسيا معلق علي عصا أمنية، وحين تنفك أقواس جغرافيا الغضب ويجري تسييس الغضب الاجتماعي ويرتفع سقفه إلي مطلب رحيل النظام، حين تأتي اللحظة وقد باتت أقرب من طرف الاصبع.. فإلي أين نذهب: هل إلي حريق يلتبس فيه الاحتقان الاجتماعي بالاحتقان الطائفي؟ وفي أجواء من البلطجة والانفلات العام؟
أم يتدخل الجيش وتجري مصالحة مع الإخوان علي الطريقة التركية؟ أم يكون حكم الائتلاف الوطني؟
وماذا ستفعل أمريكا وإسرائيل والعين علي مصر الأسيرة في قيد كامب ديفيد، وخطايا إهدار الاستقلال الوطني وتخريب بلد انتهي إلي بواقي فساتين في محنة الثلاثين سنة الأخيرة.
ومن اللافت للنظر أن قنديل طرح كل الاحتمالات عدا احتمال توريث جمال، فحتي الفصل الذي خصصه له سماه "التوريث المستحيل

Comments