عاش الرفيق العالم الف عام

وصلتنى رسالة من مجموعة التقدم بعنوان " عاش الرفيق العام الف عام " للاستاذ احمد زكى للرد على ما اثير نحو محمود العالم


يحمل كلام الرفيق العالم في "المصري اليوم" مفردات جديدة كل الجدة في اللغة السياسية للشيوعيين المصريين، ولذلك هم مختلفون اختلافا شديدا في الاجابة على سؤال: هل كلام الرفيق العالم خيال ام يستند الى واقع. لذلك من خلال المفردات القديمة يفلت منا معنى كلام الرفيق العالم ويصبح تفسير الاحداث الهائلة التي تحدث امام ابصارنا جميعا لغزا غير مفهوم، وبالتالي نفشل مثل كل مرة في التعامل معها والخروج منها بنتائج مستدامة.

عودة التقاليد الاصلية للليسار الشيوع

الرفيق العالم احيا بكلامه تقاليد قديمة (ليست قديمة جدا) اختفت او تكاد من حياة اليسار المصري. فمنذ حوالي عشرين عاما وحتى الان اصبح تقليدا راسخا انه لو اجتمعت ثلة من اليساريين ورغبوا في النشاط العام كجماعة، يصبح لزاما عليهم ان يبحثوا عن غطاء ما من الشرعية، وإلا يصبح من لم يتسربل منهم بهذا الغطاء شيوعيين "فرط".

وامام الفشل المتزايد على مدى سنوات طويلة لقيادة حزب التجمع في القيام بدورها المطلوب منها منذ ايام السادات وهو لعب دور الوعاء الشرعي الاوحد لليسار في مصر، غضت الدولة القومية الطرف عن ثلاث وجهات للباحثين عن هذا الغطاء. وتحددت تلك الوجهات الثلاث عند ثلاث اشخاص يمثلون جهات رسمية هم: مصيلحي (وزير التضامن الاجتماعي - الشئون الاجتماعية سابقا) لاشهار منظمة غير حكومية، او عند محيي الدين ورشيد (مركز بحثي في صيغة شركة تجارية بسيطة) تعمل في نفس المجال، او عند
صفوت الشريف ولجنة الاحزاب ليعلقوا يافطة حزب كذا (تحت التأسيس)

الرفيق العالم اعاد للحياة تقليدا قديما عند الشيوعيين المصريين مرة اخرى، عندما اعتبر انه في حالة تواجد عدد من الرفاق اليساريين يعملون معا وينسقون نشاطهم العملي بشكل او باخر، اذا فهم حزب شيوعي ولا يحتاجون الى اي تصريح رسمي بختم النسر حتى يعتبروا انفسهم كذلك. واضاف ان الدولة القومية امام هذا الوضع لن تتركهم في حالهم. وبالتالي عليهم ان يحتاطوا للامر، وان يستعينوا على قضاء حوائجهم بالسرية (الكتمان). هذا هو التقليد القديم الاشد رسوخا للشيوعيين المصريين. وهذا هو الحزب الشيوعي المصري السري الجديد

ويهذه المعادلة اعتبر الرفيق العالم ان مجموعات وفرق وافراد اليسار التي تنشط في الحياة السياسية المصرية بتلاوينها الفكرية العديدة، سواء من تسربل منهم بشرعية الدولة القومية ام لم يتسربل، من اسكندرية الى اسوان هم الحزب الشيوعي المصري الجديد. اذا، ما هو حجم الوهم وما هو حجم الحقيقة في ذلك!

ضد زعماء العسكر الثلاث

عبد الناصر "كان مع الملكية الفردية والنظام الرأسمالي... الا انه كان رجلا وطنيا معاديا للاحتلال... لا شك ان عدم الديموقراطية وتفكيك عبد الناصر للقوى المختلفة ومنها الشيوعيين قدم ارضا ممهدة للسادات".
السادات، "كانت تحكمه دائما مصالحه الشخصية... كان يريد انهاء التجربة الاشتراكية فقط لا غير
مبارك، "ترك بصمة سلبية فقد فكك القطاع العام... فهو اكد المصالحة مع اسرائيل وزاد من ارتباطنا بامريكا وشاع في عهده الفساد وافسد كل خطط التنمية وزاد من تبعيتنا للخارج".

هذا الكلام بالحرف منقول من اقوال الرفيق المنشورة في الصحيفة

الرفيق العالم رغم ما تحمله من صنوف اضطهاد، مثله مثل رفاقه الاخرين، كان هو احد مهندسي حل التنظيمات الشيوعية وابرام العقد السياسي في منتصف الستينات مع الدولة القومية. ولكن الرفيق بشحمه ولحمه يفسخ العقد الان. فعبد الناصر - الذي حقق الكثير من البرنامج الوطني الديموقراطي للتنظيمات الشيوعية في الخمسينات والستينات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي - دمر بيده "القوى السياسية المختلفة ومن بينها الشيوعيون" الذين كانوا يستطيعون حماية هذه المكتسبات من بعده. وجاء السادات فهدم التجربة ما وسعه العمر. وزاد مبارك فافسد كل شيء.
اذا، لماذا يحافظ الشيوعيين على بنود العقد السياسي للستينات من جانبهم حتى الان؟ رد الرفيق العالم هو فسخ للعقد.

اخيرا، يهدم الرفيق المفكر محمود امين العالم مقولة "الجناح الاشتراكي السلطة"، التي استقرت طويلا في عمق لا وعي الشيوعيين المصريين، وكانت المبرر في الستينات لابرام العقد مع الدولة القومية. اخيرا، يقر الرفيق العالم بأن الشيوعيين خارج السلطة، فهم لا يهدفون الى "انقلاب للوصول للسلطة، فالسلطة الحقيقية هي التي تأتي من اسفل وليس من اعلى...".

وربما يكون هذا سبب انفجار الغضب الواسع ضد الرفيق. الرفيق العالم، الشيخ الجليل ذو الخمسة وثمانين سنة، هو الذي صاح هذه المرة وليس طفلا: الملك عار!

من الواهم اذا ومن يقول الحقيقة!؟

هل هذا نذير بنهوض الموجة الرابعة للحركة الشيوعية المصرية الجديدة "من اي منطقة يتحركون؟ - قولي انهم موجودون من اسكندرية الى اسوان". (هل) "بينهم رموز من الحزب الناصري والتجمع واليسار عموما؟ - نعم ولكن هناك ايضا من هم من خارج هذه الاحزاب من الناس البسطاء فبيننا فلاحون وموظفون ومدرسون ممن لا ينتمون الى حزب سياسي". "ولكن سوف تكون هذه الاضرابات في كل محافظة وكل منطقة صناعية بالطريقة التي تلائمها. فعمال كل منطقة لهم ظروف مختلفة ومطالب مختلفة عن المناطق الاخرى". "هل انت مؤسس التنظيم ام الاب الروحي له؟ - فأجاب في اقتضاب، انا عضو في القيادة"
مفردات لغوية جديدة كما قلنا يتحدث بها الرفيق العالم، جاءت بردود افعال عمياء لا ترى الواقع

في اوروبا والبلاد المتقدمة، حيث وفر النضال الطبقي الطويل والمرير للشعوب هناك احزاب وصحف ومؤسسات ونقابات حرة ومستقلة، توفر بدورها تدريبا وتعليما سياسيا راقيا لافراد المجتمع على اختلاف طبقاته، عندما يقوم الفلاحون الصغار والمعدمون هناك بالاستيلاء على الاراضي الزراعية، يصف اولئك اليساريون ذلك بالديموقراطية المباشرة والعمل المباشر، وعندما ينفذ العمال هناك اعتصاما في مصنع من المصانع رافعين مطالب معينة، يتحدث اولئك اليساريون عن ان استخدام اداة الاعتصام السلمي شاهد على مستوى عال من الوعي الطبقي بين عمال هذا المصنع.

وفي مصر وبعد كسر حزب التجمع لنضال الفلاحين المصريين ضد قانون الايجارات الزراعية وضد قانون رفع الحراسات عام ١٩٩٨، وبعد تبخر الاوهام التي روجها يسار منظمات المجتمع المدني للنضال الحقوقي، يعتصم فلاحو الاصلاح الزراعي بالارض التي يزرعونها منذ عشرات السنين في اكثر من موقع في بر مصر دفاعا عن حقهم في الارض والحياة. وفي مصر، ومنذ عام عشرات الاعتصامات المتلاحقة، منها ما يضم في المرة الواحدة عدة الاف من العمال، النساء قبل الرجال ومعا، يعتصمون داخل المصنع لمدة اسبوع واكثر، دون حادثة تخريب واحدة، ويحققون انتصارا لمطلبهم.

الا يعتبر هذا مستوى رائع للوعي والتنظيم؟ وهل هذا المستوى مستمد من تراث النضال الاخواني او الناصري؟ ام انه تراث الشيوعية الذي لا ينازعها فيه احد

بالمفردات القديمة للغة اليسار المصري المحافظة حاليا، ما دامت قيادات الاعتصام لم تملأ استمارة عضوية في حزب او تنضم لتنظيم يساري غير علني، او لم يحدث تسجيلها كمتدربة او مدرب في دورة تدريبية من دورات منظمات المجتمع المدني طبقا لبرنامج ممول خارجيا، فهي قيادات "عفوية"، اي لا تحمل اي درجة من درجات الوعي السياسي، وبالتالي لا وزن لها طالما لم يسلموا نتيجة نضالهم لحزب او لحلقة لاستثماره في اللعبة السياسية من اجل ترجمته لمكسب سياسي (منصب في السلطة، او مقايضة ما).

اليسار الايديولوجي المنغلق يرى في مفردات لغة الرفيق العالم "مبالغات شديدة ولا يعبر الا عن وجهة نظره"، وان "هذه الاضرابات افرزت قيادات عمالية جديدة، غير منظمة...واكد عفوية التحركات العمالية"، والنتيجة؛ "استبعد وقوع حملة اعتقالات كما تنبأ بها العالم في صفوف الشيوعيين وابناء اليسار المصريين، لأن النظام يعلم جيدا اننا لسنا وراء هذه الاضرابات"

وايديولوجي اخر يساري قومي يؤكد "من واقع معرفتي العميقة بالحركة في الشارع، فانها لا تعكس اي واقع وبها مبالغة كبيرة".
وايديولوجي ثالث قومي قح يسير على نفس المنوال الذي تحكمه المفردات القديمة للغة اليسار، "فيما يتعلق بأن عناصر من الحزب الشيوعي المصري (التنظيم) من الصعيد لبحري كانوا وراء الاضرابات والاعتصامات كلها اقرب للاوهام وليس الواقع". وهل قال الرفيق العالم ذلك ايها الاخ القومي

هذا ملمح من الردود...

وفي الاخير جاء رد فعل "اليسار القطاع العام" يحمل الفزع والشعور بمقدمات الزلزال (زلزال قرار من الدولة بخصخصته بعد تدخل العناية الالهية). ولأن حزب التجمع، في نظر قيادته هو في حكم المؤسسة الحكومية، فقد جاء الرد بيروقراطيا صرف، يثير السخرية المرة كعادة كل ما هو بيروقراطي سقيم. وعلى وزن ان الموظف الحكومي لا يحق له الجمع بين وظيفتين، والا تعرض للمسائلة، كان كل هم السكرتير العام هو ابلاغه باسماء مناضلي حزب التجمع ممن اخلوا بواجباتهم وجمعوا بين النضال لحساب جهتين، لتحويلهم للتحقيق!

ولكن الرفيق العالم يرى ان عضوية الحزب ممنوحة لكل قيادات الكفاح الطبيعية هذه، بحكم وعيهم ونضالهم، كما هي ممنوحة للشيوعيين والناصريين ومن سواهم الذين يدعمون هذه التحركات ويسعون للالتقاء بها. وفي ظني انه حتى لا يقصد ان يكون طرفا ثالثا في اللعب مع التيار القومي الحاكم والتيار الديني المحظور، كما اشار انصار التحالف الاشتراكي في ردهم. انه يتحدث عن سلطة تتشكل من اسفل لأعلى، عبر النضال في صفوف الحركة الجماهيرية.

هذه لغة ومفردات، وتلك لغة ومفردات.

اي روحية جديدة يبثها فينا الشيخ الجليل في ذات صباح جميل. هل نحن بصدد اعلان الموجة الرابعة للحركة الشيوعية في مصر!

عاش الرفيق العالم الف عام!
توقيع
احمد زكى

Comments