المراسلون العسكريون.. للحرب قصصٌ أخرى (ملف خاص)

حمدى الكنيسي: ضباط إسرائيليون قالوا لي «شارون مجنون وهياخدنا للموت» (حوار)

الكنيسى أثناء حديثه لـ «المصرى اليوم»
تصوير:حازم عبد الحميد
داليا عثمان

عب برنامجه «صوت المعركة» دورا مهما فى رفع الروح المعنوية لجنودنا خلال حرب 6 أكتوبر، وخلق حالة من الالتفاف والتواصل بين جبهة القتال والشعب، ما أعطى شعورا بأن الكل يحارب.. إنه الإعلامى الكبير حمدى الكنيسى، الذى عمل مراسلا حربيا للإذاعة المصرية، بداية من اليوم التالى لعبور قواتنا قناة السويس. وسجل برنامج «قنديل» من خلال لقاءاته على الجبهة شهادات مهمة، ذكر بعضها خلال حواره لـ«المصرى اليوم»، ومنها قول ضباط إسرائيليين له «شارون مجنون يأخذنا إلى حتفنا»، فيما التقى الرئيس الراحل أنور السادات وأعرب له عن دوره الإعلامى المميز خلال الحرب.. وإلى نص الحوار:

ما الذى دفعك للتطوع للعمل كمراسل حربى للإذاعة أثناء حرب أكتوبر؟

- كنت مهتما جدا بعملية إعادة بناء القوات المسلحة بعد نكسة 1967، وأنا كأديب عشت مرارة النكسة بعمقها وبالتالى كنت أتلهف على أى تحرك يتم فيه استعادة الأرض والكرامة، وطوال فترة حرب الاستنزاف ذهبت للجبهة ومدن القناة لأسجل لقاءات مع المقاتلين وأبناء القناة من محافظات الإسماعيلية وبورسعيد والسويس، الذين رفضوا تهجيرهم لمحافظات أخرى، فحرب الاستنزاف كانت تمرينا جيدا للإعداد لحرب أكتوبر، حيث إن أبطال ورجال القوات المسلحة تعرفوا على طبيعة العدو وتأكدوا أنهم ليسوا أسطورة مثلما كانت تصوره دعايتهم، وأحدثوا خسائر كبيرة فى صفوف الإسرائيليين حتى إن جنرالا إسرائيليا قال «إن الاستنزاف تكبدنا فيها خسائر كبيرة»، وعندما أذيع البيان الأول لحرب 6 أكتوبر اتجهت الأنظار على الفور إلى رئيس الإذاعة فى ذلك الوقت وكان «بابا شارو» وقلت له إننى أريد أن أكون المراسل الحربى للإذاعة، وأبدى دهشته، وشكرنى واتصل بالدكتور عبد القادر حاتم، وزير الإعلام الأسبق، وقال له إن «الكنيسى» يريد التطوع كمراسل حربى، ومنذ يوم 7 أكتوبر بدأت مهمتى كمراسل حربى للإذاعة.

وكيف استعددت للتوجه للجبهة فور أن تم تكليفك بهذه المهمة؟
- كان عمى يزورنى فور علمى بتكليفى للعمل كمراسل حربى وطلبت منه آخذ أسرتى للبلد للتفرغ تماما لدورى كمراسل حربى، وكنت كل يوم أتوجه للجبهة مع أول ضوء، وأعبر القناة إلى الشاطئ الشرقى وأتحرك فى القطاعات التى يحددها لنا مسؤول المخابرات الحربية أو الشؤون المعنوية، ولا أنسى أننى بمجرد أن وضعت قدمى على أرض سيناء لأول مرة وجدتنى أنا وأحد المراسلين ننحنى على الأرض ونقبلها.
■ وأين سجلت أول لقاء إذاعى لبرنامجك؟-
 كان عند إحدى النقاط الحصينة لخط بارليف فى القنطرة شرق، بعد الاستيلاء عليها وتم أسر الجنود الإسرائيليين الموجودين بها ولاحظت أن جنودنا كتبوا على جدار النقطة الحصينة «إذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين»، وقال لى ضباط وأنا أسجل معهم «إن أفراد القوة الإسرائيلية الموجودين داخل هذا الحصن بمجرد اقتحامنا له خرجوا مذعورين ورفعوا أياديهم طالبين الاستسلام وكان أحدهم يعرف بعض الكلمات باللغة العربية فصاح قائلا «لا تقتلنى يا مصرى». بعد ذلك واصلت مهمتى بامتداد الجبهة، وأجريت لقاءات عدة كان يتم إذاعتها فى برنامجين لى هما «صوت المعركة» و«يوميات مراسل حربى»، وكنت أعود يوميا من الجبهة مع آخر ضوء مساء لأعرض التسجيلات على قسم الإعلام بالمخابرات الحربية لمراجعتها والاطمئنان على الالتزام بقواعد الأمن العسكرى والوطنى وبعدها كنت أتجه للإذاعة لعمل المونتاج فورا. ■ عاصرت الحرب بملابساتها، فما هى الذكرى التى لا تنساها؟
هناك مواقف وبطولات وأحداث طوال أيام الحرب لا تنسى، منها عندما قمت بالتسجيل مع بعض صائدى الدبابات أمثال عبدالعاطى ومحمد المصرى وإبراهيم عبد العال، الذين ضربوا مثلا فى الشجاعة منقطعة النظير، لأن أى واحد منهم كان هو والطاقم الذى يعمل معه ينتظر تقدم أى دبابة إسرائيلية وعندما تدخل فى مرمى الصاروخ يوجهه نحوها ولو أخطأ فى التصويب لأقل من ملى يبعد الصاروخ عن الهدف فكان الضابط وقتها لابد وأن يتميز بدقة شديدة للغاية، وأذكر أن إحدى الدبابات اندفعت بعيدا عن مجموعة «عبد العاطى» فى اتجاه القوات الإسرائيلية عند خط بارليف فجرى وراءها أحد المقاتلين وقفز فوقها وفتح غطاءها وألقى بداخلها قنبلة وانفجرت وأصيب هو، كما لا أنسى الحوار الذى سجلته مع الطيار الذى كان يقود طائرة «ميج 17» وهى أقل من «الميج 21»، فى إمكانياتها ومن الفانتوم الإسرائيلية والأمريكية ومع ذلك استطاع أن يسقط طائرة فانتوم وحكى لى ومازلت أذكر اسمه «نيقولا» كيف دخل المعركة فى الجو مع الفانتوم برغم الفارق المهول فى الإمكانيات وكان يتوقع أن تسقط طائراته لكنه صمم على أن يسقط معه الطائرة الفانتوم ونجح فى الاشتباك معها وأسقطها وتم أسر الطيار الإسرئيلى.
ما علاقتك بإذاعة بيانات حرب أكتوبر؟
قطاع الأخبار كان يُعد نشرات الأخبار، ويعتمد إلى حد ما على المعلومات التى أحصل عليها من خلال اللقاءات التى أسجلها وبالمناسبة كنت ملتزما تماما بدقة المعلومات وصدقها لأننى أعلم أن الإعلام فى حرب 67 تم اتهامه بأنه يبالغ بإخفاء الحقائق وكانت تعليمات وزير الإعلام آنذاك أن نستعيد ثقة المستمع والمشاهد بالتزام الصدق والموضوعية، ولعب الرئيس الراحل أنورالسادات دورا إعلاميا بارزا لتنفيذ خطة الخداع والتضليل للعدو بداية من قرار طرد الخبراء الروس من مصر.
■ ما تقييمك لمعركة «الخداع والتضليل»؟
- 6 أكتوبر حرب عقول، وقادة القوات المسلحة ورجالها والقيادة السياسية تفوقوا على فريق العقول الإسرائيلى بما وضعه من خطط مختلفة مثل الخداع الإستراتيجى، التى تم خلالها تضليل العدو وحلفائه وإخفاء نوايا الحرب وساعة الصفر، وبالمناسبة كانت شخصية السادات جزءا من خطة الخداع الإستراتيجى فقد صرح أكثر من مرة بأنه لابد من شن الحرب على إسرئيل ثم يعود بعد فترة متعمدا ليتحدث عن «عام الضباب»، كذلك تم تسريب صورة له وهو يداعب كلبا على الشاطئ، ما جعل الإسرائيليون يقولون «إن هذا الرجل يريد أن يعيش كملك مرفه ولا يمكن أن يفكر فى الحرب».
■ لماذا طلب السادات مقابلتك بعد نصر أكتوبر؟
- تلقيت مكالمة هاتفية من رئاسة الجمهورية لإبلاغى بأن الرئيس الراحل يود أن يلتقى بى وقابلته فى منطقة المعمورة وتحدث معى حول أنه يتابع باهتمام شديد برنامج «صوت المعركة»، لدرجة أنه غيّر موعد تناوله لوجبة الغداء حتى يتفرغ لسماع البرنامج، ودار حوار بيننا حول الحرب وأهميتها وما قاله الخبراء العسكريون حولها وشكرنى على دورى ومجهودى، ثم تكرر اللقاء بعد ذلك بعد أن أبلغته المخابرات الحربية أن «صوت المعركة» جعل الإسرائيليين يعقدون لجنة لمعرفة أسباب الإقبال على سماعه بين الإسرائيليين الذين يعرفون اللغة العربية، والفلسطينيين، حيث اتصل بوزير الإعلام وقتئذ وقال له «أريد معرفة هل حمدى الكنيسى يتم تكريمه أم يعامل مثل باقى المذيعين؟، فهذا الرجل قالب دماغ إسرئيل»، وأبلغنى الوزير بالمكالمة وقال لى «سوف تصدر ترقية استثنائية لى»، لكننى رفضت وقلت له إننى عندما قررت التطوع للعمل كمراسل حربى لم أفكر إطلاقا فى مكافأتى وإن كنت تود تكريمى فإنى أهدى هذا التكريم للإذاعة والتليفزيون، وأرجو إنشاء نقابة للإعلاميين، ولقائى الثانى مع السادات كان فى لندن عندما كنت مستشارا إعلاميا.
■ كيف تصف لنا حقيقة «الثغرة»؟
- أرى أنها كانت عملية تليفزيونية استهدفت إسرائيل من ورائها حفظ ماء الوجه، لكى تقول إنه كما عبر المصريون القناة إلى الشرق استطاعت قوة لنا أن تعبر إلى الغرب، ومن بين التسجيلات التى تم الحصول عليها كان بعض الضباط الإسرائيليين الذين رافقوا القائد الإسرائيلى شارون فى الثغرة، وقالوا «هذا المجنون يأخذنا إلى حتفنا»، وأعتقد أن الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، كانت له وجهة نظر بإمكانية حصار الثغرة وإبادة قوات العدو، إلا أنه حدث اختلاف فى وجهة النظر مع المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية الأسبق، الذى لم يسمح بذلك، ومن المؤكد أن الثغرة ليس لها قيمة عسكرية تقارن بالعبور العظيم لقناة السويس والساتر الترابى وخط بارليف بامتداد الجبهة.
■ ما تقييمك لدور الإعلام الإسرائيلى قبل حرب أكتوبر لإحباط المقاتل المصرى نفسيا؟
- الإعلام الغربى والإسرائيلى بعد نكسة 67 قام بحملات مكثفة جدا لتمجيد جيش تل أبيب، وقالوا عنه إنه لايقهر بهدف تحطيم معنويات الجيش المصرى، فعلى سبيل المثال أغلفة مجلات ألمانية وفرنسية وبريطانية وأمريكية خصصت لصور قادة إسرائيل، ونفس الوضع عندما اندلعت حرب أكتوبر شن الإعلام الإسرئيلى فى أول يوم حملات إعلامية عنيفة ضد مصر وسوريا تحت عبارات مختلفة منها: «نهاركم أسود أيها العرب».
■ ما التذكار الذى احتفظت به من حرب أكتوبر؟
- جزء من دانة مدفع هاون وبدلة طيار إسرائيلى كان يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية وأعطيتها هدية لـ«بابا شارو».

Comments