عبد الناصر أبو الفتوح: أخرجتُ قيادات الإخوان من «عنبر 3» عن طريق «سلّم»

عبد الناصر ابوالفتوح
 

سيارات الإخوان كانت بانتظار مرسى والعريان خارج السجن


شاءت الأقدار أن يكون السجين عبد الناصر أبو الفتوح فخر الدين هو سبب خروج الدكتور محمد مرسى العياط من سجن وادى النطرون أيام الانفلات الأمنى التى واكبت انسحاب الشرطة بعد يوم 28 يناير 2011، ليصبح الأخير رئيسا للجمهورية بعد أقل من عام ونصف، لأنه من الإخوان، ويظل الأول يصارع الدنيا، ويكابد مشقة العيش، لأنه ليس من الإخوان.
اسمه بالكامل عبد الناصر أبو الفتوح فخر الدين، سنه 42 عامًا، حاصل على درجة الليسانس فى كلية الآداب قسم التاريخ، أما عن حالته الاجتماعية، فهو متزوج ولديه أربعة أبناء، أكبرهم أحمد فى الصف الثالث الثانوى، وأصغرهم محمد ويبلغ عامين.
تم القبض عليه فى عام 1995، ووجهت إليه تهمة إحياء تنظيم الجهاد، وأُصدر بحقه حكم بالسجن بالمؤبد فى القضية رقم 5/95 جنايات عسكرية، والتى عرفت إعلاميا باسم «طلائع فتح 5». قضى عبد الناصر فى سجن مبارك نحو 17 عاما، حتى قامت ثورة يناير، وخرج من السجن مع من خرجوا وقت أن فُتحت السجون على مصراعيها.

قيادات الإخوان التى كانت تنتظر مرسى خارج سجن وادى النطرون بالسيارات الفارهة، أعربت عن شكرها له، لحظة الخروج، لكنها تنكرت له بعد ذلك. حاول الاتصال بهم أكثر من مرة لرد الجميل، فكانت كل أمانيه أن يحصل على عفو رئاسى مثل آخرين عفا عنهم الرئيس بالتتابع، ليتمكن من عيش حياة طبيعية، ويتمكن من إطعام أبنائه، إلا أن الإخوان لا يردون الجميل عادة.
فى السطور القادمة، يتحدث عبد الناصر لـ«التحرير» عن هذه التجربة، ويحكى عن اللحظات الفارقة التى سبقت خروج السجناء من وادى النطرون، وكيف أسهم فى إخراج قيادات الإخوان من السجن، فإلى نص الحوار:

 التهمة التى كنت مسجونا بسببها هى محاولة إحياء تنظيم الجهاد.. فما علاقتك بهذا التنظيم؟

- نعم اتهمت بالانتماء إلى تيار الجهاد، لكن الحقيقة إننى لم يكن لى ارتباط بتنظيم الجهاد، إنما اعتنقت الفكر أنا وعدد من أصدقائى، كنا وقتها خمسة أفراد، وبدا الأمر أكثر وضوحا عندما تم اعتقال عدد كبير من الإخوة، سواء من الجهاد أو الجماعة الإسلامية فى منطقة عين شمس، وبدأنا فى جمع تبرعات لإعطائها لأسر المعتقلين، ونحن نعلم أن من دخل السجن منهم يظل فيه فترات طويلة، ولا يخرج منه. ظللنا هكذا حتى زاد عددنا ووصلنا إلى 35 شخصًا، وعندما بدأت الأمور فى الهدوء أتيح لنا زيارة المعتقلين فى السجن، والتقينا الشيخ نبيل المغربى والشيخ أنور عكاشة والشيخ محمد الأسوانى وبعض قيادات الجماعة الإسلامية.

  لماذا اخترت الفكر الجهادى على الرغم من وجود عدة تيارات إسلامية أخرى كالإخوان والجماعة الإسلامية والسلفيين؟

بالنسبة إلى السلفيين كانوا يعتمدون على الدروس الدينية فقط، ولا يخرجون من المساجد ولا يختلطون بالناس، أما الإخوان فليس لهم مواقف ثابتة، وأن السياسة لديهم طاغية على الموقف الدينى، بينما لم ترضنى طريقة الجماعة الإسلامية فى الدعوة، حيث يجمعون الأفراد فى المساجد، ثم من السهل اعتقالهم، فوجدنا أن الفكر الجهادى هو الأنسب والأقرب إلينا، لكن لم يكن لدينا علاقة تنظيمية بهم، وقد حاول بعض القيادات فى السجن أن يراسلنا، وبالفعل أرسلوا لنا عددًا من الخطابات يدعونا إلى عمل تفجيرات وأعمال مسلحة، فوجدنا أننا مختلفون، فكل منا يعيش فى واقع مختلف، فهم يريدون منا التعامل بأفكارهم القديمة، التى لم تغيرها السجون، ومع انتشار نشاطنا الخدمى لأسر المعتقلين والمسجونين، قبض علينا أواخر عام 1994.

 ما الذى حدث بعد القبض عليكم؟

تم القبض على 42 فردًا، لا أذكر كم عدد الذين أفرج عنهم بالتحديد، لكن صدرت أحكام بالحبس لمدد متفاوتة، فحكم علىّ بالمؤبد، وعلى آخرين بأحكام أخرى، وفى يوم 9 يناير 1995، ذهبت إلى سجن العقرب، وقضيت فيه عشر سنوات كاملة، ثم ذهبت إلى سجن أبو زعبل شديد الحراسة، ثم إلى سجن المزرعة، ثم استقبال طرة، وأخيرا وادى النطرون، الذى خرجت منه فى أثناء الثورة.

فى فترة سجنك خرجت من الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد مبادرات لوقف العنف.. فكيف كان موقفك منها؟

من قبل أن تعلن الجماعة أو الجهاد عن مبادراتهما، كنت ومن معى موافقين على الخروج من السجن بشروط المبادرة التى وضعها الشيخ عبود الزمر والشيخ الشعراوى عام 1992، والتى أفشلها الإعلام وقتها، فقمت فى عام 2001 بعمل بيان تأييد لمبادرة الجماعة الإسلامية باسمى.

 وهل وافق تنظيم الجهاد؟

لم يوافق التنظيم وقتها، فتم نقلهم إلى سجن أبو زعبل، وبقيت ومن معى فى سجن العقرب، لأننا كنا موافقين على المبادرة، إلى أن أخرج سيد إمام وثيقة ترشيد الجهاد، وهنا أقول إن إمام لم يجلس مع أى عضو فى الجهاد، إنما كان يكتب ويعطى لأمن الدولة، الذى كان بدوره يعطى ما كان يكتبه إمام لأعضاء الجهاد، من دون مناقشة.
مبادرات وقف العنف لم تكن تروق لقيادات تنظيم الجهاد، وذلك بسبب التركيبة النفسية لأنصار تيار الجهاد، ورغبة كل واحد منهم أن يكون قائدا، دون أن يتحمل أى مسؤولية أدبية، وهذا سبب فشل «الجهاد» فى عمل مبادرة مماثلة كمبادرة الجماعة الإسلامية.
وقتها اختار الأمن مجموعة جهاد بنى سويف ومن وافق على وثيقة سيد إمام، والذين بلغ عددهم 180 فردًا ووضعهم فى سجن المزرعة، وترك الذين لم يوافقوا فى سجن أبو زعبل، وهنا يجب أن أذكر أن الأمن عرض على الشيخ عبود الزمر أن يقود مبادرة الجهاد، إلا أنه كان قد انضم للجماعة الإسلامية منذ عام 1986، بينما كانت أيضا معرفته بالتيار الجهادى وطبيعة قياداته سببا فى رفضه هذا الأمر.

 هل تتوقع النجاح للحزب الذى أسسه تنظيم الجهاد الآن؟

بمعرفتى بهم لن ينجحوا إلا إذا أسس كل واحد منهم حزبا منفردًا، لأن التركيبة النفسية والعقلية الجهادية، التى نشأ عليها الجهاد تقول ذلك، فهى تركيبة انشطارية تنقسم على نفسها، كما أن الأفكار القديمة مسيطرة عليهم إلا القليل.

ما طبيعة سجن «وادى النطرون 2» الذى كنت معتقلا به؟

سجن «وادى النطرون 2» مقسم إلى سبعة عنابر، أربعة منها للسجناء الجنائيين، وثلاثة للسجناء السياسيين، وكان «عنبر 1» به 17 سجينا ممن وافقوا على المراجعات الفكرية ومبادرات وقف العنف، وكنت منهم، أما «عنبر 2» فكان به سجناء سيناء والتكفيريون، أما «عنبر 3» فكان للإخوان، وكانوا يزيدون ويقلون حسب الأحداث، فمثلا فى وقت الانتخابات والمظاهرات كانوا يزيدون، إلا أنهم لا يستمرون فى السجن أوقاتا كبيرة، وكانوا يأخذون قرار الإفراج بسرعة، حتى إننا كنا نسميه «إفراج وزير»، ثم جاء فى العنبر قيادات الإخوان الـ18 الذين قبض عليهم فى أحداث الثورة المصرية، ومن بينهم الدكتور محمد مرسى والدكتور عصام العريان والدكتور رجب البنا.

كيف سمعتم وأنتم فى السجن عن ثورة 25 يناير؟

تابعنا الأخبار خلال شاشة التليفزيون، فعرفنا بالثورة وتزامن يوم 25 مع إجازة فى السجن بمناسبة عيد الشرطة، ومع تصاعد الأحداث ظل السجن مغلقا بعد ذلك، وتم منع الزيارة، وجاءت تعليمات إلى ضباط السجن بعدم التحدث مع السجناء فى ما يحدث بالخارج، ثم تم إغلاق العنابر علينا، وأصبح الطعام يأتينا لمرة واحدة فقط بعد منتصف الليل، ثم انقطع يوم 28، وسادت حالة من الهرج والمرج من قبل السجناء والضباط، وبدأنا نسمع عن هروب مساجين من بعض السجون، وفى أثناء انسحاب الشرطة وتسلُّم الجيش مقاليد الأمور، حدث هروب المساجين من سجن وادى النطرون.

ما الذى حدث بالضبط فى هذه الأثناء؟

من الساعة التاسعة مساء يوم 28 بدأ إطلاق نار كثيف جدا، وقنابل مسيلة للدموع فى ساحات السجن، فصارت حالة من القلق بين السجناء، وخشينا أن يتم اقتحام العنابر، فظللنا نكبر فى العنابر لندفع الخوف عن أنفسنا.

وما السبب فى إطلاق النار والقنابل من ضباط السجن؟

لكى ينجوا من المسؤولية القانونية والمساءلة، فهم يريدون أن تنفد الذخيرة التى معهم، وبذلك يظهر الأمر بأنهم قاومونا حتى نفدت ذخيرتهم، وبمجرد نفاد الذخيرة انسحبوا نهائيا، وكان هذا فى فجر يوم 29، فهدأ صوت الرصاص، ولم نجد لهم أى وجود، ثم سمعنا أقدام من خارج السجن، وصوت هرج من الناحية الخلفية للعنبر وسط الظلام، وأعطى الضباط والحراسة مفاتيح العنابر للمسير -وهو كبير الجنائيين- وسمعنا خارج العنابر أصوات أشخاص يجرُون، لكن لم نتبين شيئا لأننا كنا آخر عنبر، وكنا نسمع من فتحات الباب خروج السجناء السياسيين والجنائيين ولم نتمكن من الخروج لأن الباب كان مغلقا، وفى تمام الساعة التاسعة من صباح يوم 29، وجدنا أناسًا يمرون من أمامنا، ومعهم سلالم وأدوات هدم «الشواكيش والمرزبات»، فطلبنا منهم المساعدة فقاموا بفتح جدار الزنزانة وخرجنا منها واحدا تلو الآخر.

من هؤلاء الأشخاص الذين ساعدوكم على الخروج؟

 من لهجتهم وملابسهم أعتقد أنهم أشخاص من سكان المنطقة حول السجن من العرب والبدو.

ولماذا اقتحموا السجن؟

هم لم يقتحموه، بل كانت الأبواب الخارجية كلها مفتوحة، فدخلوا إلى السجن، بعضهم بهدف السرقة، والبعض الآخر رغبة فى تحرير أقاربه المحكوم عليهم فى قضايا جنائية، حيث كان أكثر من 40% من المساجين من العرب والبدو.

وماذا بعد أن خرجت من زنزانتك؟

كنت فى حالة ذهول شديد، حيث أصبح السجن شبه خالٍ، فذهبت إلى «عنبر 3»، الذى كانت به قيادات الإخوان، فوجدتهم لم يخرجوا بعد، فأحضرت سلمًا كان موجودا بالسجن، وصعدت به على جدار العنبر، وقمت بإنزاله لهم من الناحية الأخرى، وصعدوا واحدا تلوا الآخر بصعوبة شديدة، وخرجت مع قيادات الإخوان حتى خارج السجن، وكان بانتظارهم سيارات أتت لهم من مدينة السادات، فشكرونى على ما قمت به معهم، ووفروا لى سيارة كى تقلنى إلى أقرب مكان.

وماذا فعلت بعد وصول البيت؟

اتصلت بضابط أمن دولة، وأخبرته بما حدث معى، فقال لى فى أول مرة «خليك زى ما أنت وعيش حياتك ولما نحتاج لك هانبعت لك»، ثم اتصلت مرة أخرى بعد ذلك، فقالوا لى «أنت لست فى أجندتنا.. ونحن وأنت ظلمنا»، وكررت الاتصال بهم مرة ثالثة، لأننى أريد أن أوفق وضعى القانونى وأعيش حياة طبيعية، فقالوا لى «المجلس العسكرى سوف يتولى توفيق أوضاعكم وليس لنا دخل»، وانتظرنا من المجلس العسكرى أن يطبق العفو عنا، وعن جميع إخواننا فى السجون والمعتقلات، وأخذنا وعودا لم تحقق حتى الآن، فتأكدنا أن المجلس العسكرى يتبع نظام مبارك، وانتظرنا قيام الانتخابات البرلمانية لتحل المشكلة ولم تحل ثم انتظرنا الرئاسة فكانوا يعطوننا وعودا فقط.

ولماذا لم تتصل بالإخوان.. خصوصا أنك ساعدت قياداتهم فى الخروج من السجن وهم مدينون لك بذلك؟

لقد حاولت كثيرا جدا واتصلت بمعظمهم، وهم يعرفوننى جيدا، لكن ما أحصل عليه هو الوعود بإنهاء المشكلة وتنفيذ العفو، ثم بعد ذلك كانوا لا يردون على اتصالى ويتهربون منى، ولكن بقى الوضع كما هو عليه، فقط كل ما أريده أن يصدر الرئيس عفوا عنى، حتى أستطيع أن أمارس حياتى بشكل طبيعى وأطعم أولادى أو أسافر خارج البلاد لأجد لى مصدر رزق آخر، بعد أن تراكمت علىّ الديون، والتى وصلت إلى 38 ألف جنيه لا أستطيع سدادها.

فى رأيك لماذا تنصل الإخوان من وعودهم لك؟

الإخوان الآن مشغولون بالحكم واللعبة السياسية والمناصب الجديدة، أذكر أننى ذهبت إلى أحدهم فى عين شمس لكى يوفر لى فرصة عمل، فأرسلنى إلى شخص ثان، والثانى أرسلنى إلى ثالث، وهكذا دون استجابة، وإذا طلبت أحد قادتهم يسألوننى «لماذا وكيف وماذا تريد منه؟».
أنا أقول إن الإخوان أصبح اليوم بيدهم كل شىء لكنهم يعملون لمصلحتهم الخاصة، ويوفرون الوظائف لأتباعهم فقط، ومعظم الوظائف التى يعلنون عنها للشعب وهمية، أو دون المستوى بمبالغ زهيدة جدا، أما الوظائف المرموقة فأصبحت من نصيب أتباعهم فقط.

وماذا تريد تحديدا الآن؟

أنا لا أطلب المستحيل أريد إسقاط الأحكام العسكرية، وأن أحصل على العفو، حتى أعيش مثل أى إنسان، وأحصل على تعويض، فأنا كنت أعمل قبل الاعتقال محاسبا فى إحدى الشركات، إلى جانب تحفيظ القرآن، وزملائى الآن فى مناصب مرموقة.

وكيف ترى قيادة الإخوان للدولة؟

سياسة الإخوان فاشلة، فهم لم يعرفوا طبيعة المجتمع فزادوا فى انقسام المجتمع وتشرذمه، وزادوا فى فقر الناس كما حجموا دور مصر، حتى صعدت دول ليس لها قيمة ولا وزن، وسار «الحرية والعدالة» على خط سير الحزب الوطنى، ثم ما زاد الطين بلة أنهم يعادون الحركة الإسلامية، ولم يكسبوا ودها وأقصوا التيارات الإسلامية المخالفة آراءهم وأفكارهم، ولم يقفوا معهم.

هل تتوقع أن يحصل الإخوان على الأغلبية فى الانتخابات القادمة؟

لن يحدث ذلك لأن المجتمع عرفهم على حقيقتهم، فهم يبحثون عن مصالحهم الشخصية، وأنا سأكون ضد الإخوان حتى لو تركوا الحكم، لأنهم لم ينفعونى، ولم ينفعوا المجتمع بشىء. هم لم ينفعوا إلا أنفسهم، واستأثروا بكل المناصب ولم يعطوا منها شيئا إلا لمن يساعدهم.


المصدر: صحيفة التحرير

Comments