السلفيون في المنوفية : ثورة يناير «كافرة» والشهداء خوارج الأمة




كتب: محمود صالح

علي عكس المتوقع في أسوأ الأحوال بالنسبة للسلفيين وغيرهم من التيارات المتشددة والخارجة عن العصر الحديث من «مهادنة» للثورة ولفترة التحول الديمقراطي حتي يتم لهم التمكن من رقبة البلاد والوصول إلي الحكم ثم إعلان المواقف الحقيقية من الديمقراطية والعملية السياسية برمتها.. بادر مجموعة من أخلص أبناء التيار السلفي وأكثرهم تعبيرا عن موقف جماعات التشدد بالإعلان مبكرا جدا عن جوهر وحقيقة موقف السلفيين من السياسة والحكم المدني والثورة والانتخابات والبرلمان، وقالوا في نفس واحد قولا واحدا: «كل هذا كفر وخروج عن الإسلام»!

كان هذا يحدث سابقا بعبارات مبطنة أو في أحاديث بين المتشددين لا تصل للناس، لكن هذه المرة التيار السلفي يعلن عن موقفه عبر كتاب عنوانه «حقيقة ما يحدث في مصر»، وهو كتاب عن الثورة وما حدث لمصر بعدها وووثيقة مهمة عن أن المخاطر المتوقعة من أفكار السلفيين عن الدولة المدنية واستقرار أفكار التكفير في عقل هؤلاء ليس مجرد ظن أو توهم من خصومهم السياسيين، بل هو حقيقة واقعة تصرخ بها صفحات الكتاب المريب !

مؤلف الكتاب واحد من النجوم الصاعدة بين شباب التيار السلفي وقد علت أسهمه وانتشر اسمه بعد الثورة لدروسة الأسبوعية وخطبه العصبية المثيرة وقدرته علي حشد الأنصار علي أكثر الأفكار تشددا । المؤلف هو الشيخ الدكتور محمد سعيد رسلان الذي يتخذ من المسجد الشرقي بقرية «سبك الأحد» بأشمون محافظة المنوفية مركزا لدروسه وخطبه وتجميع تلاميذه الذين يرون فيه الخليفة المحتمل للشيخ أبو إسحاق الحويني، حيث تخصص في دراسة الحديث مثله، وقد ألقي الشيخ خطبة طويلة حول الثورة منذ أسبوعين وتم تسجيلها من تلاميذه تمهيدا لطبعها في كتاب صدر بالفعل تحت هذا الاسم «حقيقة ما يحدث في مصر»। وسوف تصاب بدهشة وصدمة ورعب لو قرأت الكتاب وكيف يمكن أن يكون هذا رأي رجل دين في الثورة والشهداء ونظام حكم مبارك ومعني الدولة والديمقراطية، وقبل أن تعرف ما قاله لابد أن تعرف أولا من هو الشيخ محمد سعيد رسلان। إنه واحد من شيوخ الأزهر فقد درس في كلية الطب وحصل علي البكالوريوس وذهب إلي السعودية للعمل طبيبا، وهناك أعجب الرجل جدا بأفكار محمد بن عبد الوهاب وبن باز وبن عثيمين وغيرهم من مشايخ السعودية، وبعد عودته قرر دراسة الفقة والحديث وحصل بالفعل علي ليسانس الآداب قسم اللغة العربية ثم حصل علي الماجستير في علم الحديث ثم الدكتوراه. بعد عودته من السعودية كان رسلان مغرما باثنين من مشايخ ومفكري الإسلام: ابن تيمية وسيد قطب. وفي الكتاب الذي طبع منه أكثر من مليون نسخة ويجري توزيعه علي نطاق واسع في القري والنجوع والمساجد في الأحياء الفقيرة يري رسلان أن ثورة يناير جزء من الخطة التي بشر بها أحبار الماسون وأنبياء صهيون في موسوعات ومؤتمرات ودراسات التواريخ والأسفار،وتخص خطة «المهندس الأقدس» مصر بالنصيب الأوفي من رجس الخراب من مجدل إلي أسوان .

خطط لها من الخارج ونفذها أبناء مصر حتي يقتل المصريون بعضهم بعضا ويدور القتال من مدينة إلي مدينة بعد الفتنة التي يزرعها ملك إسرائيل، ويفسر الكتاب ما جري في الثورة بأنه «ما هو إلا صراع بين مدرستين وحضارتين، الحضارة الإسلامية بأصولها الشرعية المستمدة من التوحيد واتباع خير البرية محمد صلي الله عليه وسلم،والحضارة الغربية بأصولها الوثنية التوراتية الصليبية، فما يحدث يراد منه أن نبتعد عن عقيدتنا وأخلاقنا وتراثنا ولغتنا، وأن تعدد المرأة الأزواج بدلا من أن يعدد الرجل الزوجات وأن نقبل البغاء ونرفض الزواج وأن نتحدث اللغات الأجنبية بدلا من اللغة العربية»، ويستمر الشيخ رسلان في تفسيره لسبب الثورة ودواعيها: «إن ما حدث يراد منه تأخر الجامعة الأزهرية لتتقدم الجامعة الأمريكية، وأن يذهب الحجاب ليعم السفور والعري، وأن تطوي أعلام الإسلام لترفع أعلام اليهود والصليبيين، وأن من فجروا الأحداث الأخيرة في مصر- يقصد ثورة يناير- إنما هم من خريجي وطلاب الجامعة الأمريكية يتبعهم ويساندهم الفنانون المنحلون والمخرجون السفهاء وأصحاب العري والسفور والباحثون عن تطليق الفضيلة»، ويمضي الشيخ في تفسيره لأسباب الثورة: «إن الذي يراد أن يحدث في مصر هو إعادة تركيب المجتمع علي الأجندة الغربية في العقيدة والأخلاق والفكر والسلوك».. هنا يطرأ سؤال مهم: هل كان نظام مبارك عقبة صلبة أمام الاستعمار ومدافعا صلبا عن العروبة والإسلام..

وهل كان الشيخ وتلاميذه يعيشون في مصر مبارك التي امتهنت كل القيم والأخلاق وحولت المجتمع لساحة حرب ونشرت الفقر والجريمة كما لم يحدث في كل التاريخ المصري؟ يبدو أن الشيخ «السعودي الهوي» والذي وجد في شخص سعودي يدعي «خالد المشوح» داعما لأفكاره ومروجا لكتابه الغريب علي موقع سعودي اسمه «مركز الدين والسياسة للدراسات» باعتباره من الكتب المهمة و«الموضوعية» التي تتحدث عن ثورة يناير.. يبدو أن هذا الشيخ رسلان تحركه نزعة سعودية تماما في فهم السياسة وكراهية الثورة والانتفاض ضد أي حكم ظالم ومستبد وفاسد مثل نظام مبارك،

ولعل هذا ما يجعله يقدم في الكتاب أغرب تفسير لموقعة الجمل التي كانت ذروة إجرام نظام مبارك وعصابته وذروة استبسال وعظمة الثورة والثوار، يقول رسلان: «إن الذين أتوا بالجمال والخيول إلي ميدان التحرير المعروفة إعلاميا باسم موقعة الجمل أرادوا أن يوصلوا رسالة أن هؤلاء الذين خرجوا هذا الخروج القبيح هم المتقدمون التقدميون وأن الذين يناوءونهم رجعيون متخلفون ولكي تصل رسالة للعالم كله أن هؤلاء هم التقدميون والذين يناوءونهم يريدون الرجعية والسلفية والأصولية»، ويمضي رسلان في بيان موقف السلفية المتشددة من الديمقراطية ويقول بعبارة واضحة : «الديمقراطية التي يريدها المتربصون بمصر والتي تعني سيادة الشعب معناها أن السيادة ليست للعقيدة ولا الوحي المعصوم ولا الإله الأجل، فالسلطة للشعب تعني أن الشعب يملك القضاء والتشريع والتنفيذ فماذا بقي لرب العالمين ؟ ولكن النظام الإسلامي هو أن يكون هناك كبير يطاع وهو ما يسمونه الديكتاتورية.. ونحن مع هذه الديكتاتورية»، ويشن رسلان حملة عنيفة علي الأحزاب الإسلامية التي أعلنت مشاركتها في الانتخابات أو في الحياة السياسية قائلا: «هؤلاء يرون أن المجتمع إذا كان ديمقراطيا فستأتي بهم الصناديق الزجاجية وهذا وهم كبير ثم لو كان صحيحا فإنهم يتخذون وسيلة كفرية إلي غاية شرعية»، ويؤكد رسلان أن الثورة «عمل لا يتناسب مع الإسلام بل هو خروج عليه، لهذا فالشهداء الذين سقطوا برصاصات مبارك وأسلحة العادلي وإجرام أمن الدولة لتحرير مصر من فساد النظام السابق المنحط ليسوا شهداء بل خوارج».. ويقول رسلان: «الإنكار علي الملوك والولاة بالخروج عليهم أساس كل فتنة وشر إلي آخر الدهر لأن من لوازم الحب الشرعي للأوطان المسلمة أن يحافظ علي أمنها واستقرارها وأن تجنب الأسباب المفضية للفوضي والفساد وأنه في دليل السنة للإمام أحمد بن حنبل أن الإمام إذا كان إماما بالبيعة من أهل العقد والحل أو كان إماما متغلبا فخرج عليه خارج فقاتله الإمام فمات الخارجي فميتته ميتة جاهلية».. ويمتلئ الكتاب بهذه الأفكار المتشددة الغريبة التي تحتاج ردا حاسما من الأزهر الذي تخرج فيه الشيخ رسلان أو من مشايخ الوهابية التي يفتتن بها الشيخ رسلان مؤيدا لفساد أي حاكم ومعتبرا الخروج عليه خروجا عن الإسلام.

Comments