ايمن عبد الرسول يكتب : ما لا طاقة لنا به

مستفز جدا الداعية الأزهري خالد الجندي وهو يطالب كل من يتحدث في دين الله "إسلامنا" بالتخصص، بينما هو يفتي في كل شيء بعيدًا عن تخصصه، ولا نعرف من مصدر حكاية التخصص التي يتشدق بها الدعاة غير المتخصصين أصلاً، ويضربون لنا مثلا وينسون أنفسهم، لو أنك تعاني مرض في عضو من أعضاء جسمك، هل تذهب إلى طبيب متخصص أم إلى عطار، وهو مثل صوري سليم ولكنه للأسف لا يمكن أن ينطبق على الإسلام إلا في الفتوى، فالإسلام ليس عضوا من أعضاء الجسد، يحتاج إلى متابعة طبية متخصصة، الإسلام دين يباهي غيره من الأديان بأنه دين الإنسان الصلة المباشرة بين العبد وربه، حتى أنه خاطب نبيه الكريم في كل المسائل بـ(قُل) "ويسألونك عن المحيض، (قُل) هو أذى"، "ويسألونك عن الشهر الحرام، قتال فيه، (قُل) قتال فيه شديد" في كل الأسئلة التي وجهها المؤمنين أو حتى الكفار إلى النبي الصادق الأمين، يجيب عنها سبحانه عن طريق نبيه، بقوله (قُل)، في مسألة واحدة نفي الحق سبحانه الوساطة النبوية.
في قوله تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني" لم يقل قل يا محمد إني قريب، فلماذا يصنع الأدعياء وساطة بين العبد وربه، وإذا كان الإسلام دين تخصصي، فما الفرق بين دعوتهم ودعوة الذين اتخذوا من أحبارهم ورهبنهم أربابا من دون الله؟!
ثم تعالوا هنا، هو الإسلام فيه رجال دين؟ ، سيقولون لا، لكن هناك فقط علماء دين "نفر يتفقهون فيه" ولا كهنوت في الإسلام، كل الحجج التي يسوقونها منطقية صورية سليمة، تخيل على الراغبين في معسول الكلام ذو الشكل المنطقي، لكن عندما تقاربها مقاربة واقعية تسقط، تمامًا كالحديث عن التخصص، فلو أن الإسلام دين تخصصي فلماذا لا يتخرج كل مسلم في مدرسة إسلامية؟، ولو كان من حق رجال الدين قدامى ومحدثين الحديث باسم الله، كأن يفسر المفسر القديم آيات الله تعالى هكذا، يكتب يقول الله تعالى: ثم يضع تفسيره المرتبط بفهمه وعلوم عصره، وثقافته، ورواياته التي يثق في رواتها لا معقوليتها، مكان كلام الله تعالى، حاشا لله وكلا، لا نتهم أحد علماءنا الأجلاء بالتقول على الله بتفسيرات هي في النهاية اجتهاده الشخصي!
ثم يأتينا خالد الجندي كل يوم بتصريح مستفز، يزعم فيه احترام التخصص الهلامي في "اللا تخصص البُحلقي" المندرج تحت رايات الانتشار الإعلامي في الدعوة للإسلام، وكأننا في العهد المكي، وشيخنا الهمام لم يزل يدعو سرا للإسلام، الذي لم ينتشر في جميع أرجاء المعمورة، وينتظر فتوحات الجندي، ورفاقه من المجددين والمسلمين التخصصين، خريجي مدارس الكهنوت الإسلام الجديد، الذين يفتون في كل مالا يعلمون برخصة التخصص في الدين!
قالك إيه الشيخ خالد الجندي حامي حمى الإسلام والمسلمين، قالك الطب النفسي "فشخرة"!!، وسبب أمراضنا النفسية البعد عن الدين، الرجل يروج لبضاعته، ونحن على أعتاب شهر فضيل، يقترب فيه كل المسلمين من التخصص والفتوى ويتحولون كلهم بقدرة قادر ونفحات الشهر الكريم إلى دعاة يدعون المسلمين إلى العودة إلى الإسلام، كأنهم كانوا في بعثة إلى بلاد المشركين ووجبت عودتهم، وكأن كل رمضان موسم للمزايدة على بعضهم بعضًا في وسائل الإعلام، خصوصًا والكفارـ من وجهة نظر البعض ـ لا يتركون المناسبة الروحانية التي لا تأتي سوى شهر واحد من كل عام، دون التفنن في الإغواء والإغراء، ورغم أن التراث الإسلامي وعد المسلمين بتصفيد الشياطين في رمضان إلا ان ثمة شياطين خرجوا بكفالة يملئون الفضائيات بالأباطيل من المسلسلات وبرامج المسابقات، وغيرها من الملهيات عن ذكر الله في "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"!
الصراع يبدأ في مثل هذا التوقيت من كل عام، بين دعاة الدين، وأدعياء فتنة المسلمين عن دينهم، لكن ما علاقة كل ما سبق بحكاية الطب النفسي الذي أصبح بنظرة من مولانا الجندي، "فشخرة"، وطالما هو كذلك والبعد عن الدين هو سبب مشكلاتنا النفسية، فليفتح الشيخ الهمام عيادة للعلاج النفسي على الطريقة الإسلامية، ولكن هل سيجد وقتًا للممارسة الطبية التخصصية بين أعباء يومه الذي يقضي أغلبه جالسًا في ستوديو مُكيف، التكييف كافر لأنه منتج "فشخرة" غربية أيضًا، والكاميرات صنعها الكفار ليسخرها لنا الله في نشر الدعوة الإسلامية عبر أقمار الكفار الصناعية أيضًا، ولا نزيد المهم ان شيخنا يناضل آناء الله وأطراف النهار من اجل التجارة بالإسلام وتسويقه كسلعة تنافسها سلع أخرى، والحمد لله أن الشيخ الإمام محمد عبده لا يعيش بيننا الآن ليرى خريج الأزهر الذي ينشئ قناة يتبرأ منها الأزهر نفسه، أسمها أزهري، وواضح جدا أن الياء هنا في أزهري تعود على ملكية الشيخ الجندي للأزهر الشريف بمعنى أنه أزهره هو، كعقيدتي وحريتي وغيرها!
ولا أملك إلا الدعاء "ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به" من أمثال أدعياء التخصص والتسويق للدين لدى المتدينين أساساً، وأصحاب الفتاوى الجاهزة بتكفير كل من يختلف معهم، وحتى مسلسلات رمضان!

ayman@alazma.com

نائب رئيس تحرير"الأزمة"

Comments