يحيى حسين يكتب : على البيعة !


عندما قرأتُ الدعوى المضادة التى قدمتها وزارة الاستثمار (الشركة القابضة للتشييد والتعمير التى لا زالت تملك عُشر أسهم عمر أفندى) للجنة التحكيم رداً على دعوى شركة أنوال التى طلبت من الحكومة حوالى 150 مليون جنيه نظير مشاركتها فى عُشر الخسائر وعُشر فوائد القروض التى اقترضتها وعُشر تكاليف التطوير وعُشر الغرامات التى حُكِم عليها بها فى المحاكم الأجنبية وعُشر أى تكاليف أخرى وهو ما يزيد على 150 مليون جنيه. عندما قرأت الدعوى تذكرتُ قول الدكتور طه حسين (فى مصر أمورٌ لم يسمع بها أحدٌ من أهل الأرض)، وانتابنى مزيجٌ من الضحك على لا معقولية ما قرأتُ، والحزن على ما أصاب مؤسساتنا من انهيار.

فالشركة القابضة للتشييد والتعمير التى آل إليها ملف عمر أفندى بعد تفكيك الشركة القابضة للتجارة، ذكرت فى شكواها إلى لجنة التحكيم ما يفيد بأنها اكتشفت أن شقيقتها الشركة القابضة للتجارة (عليها رحمة الله أو غضبه) قامت بتسليم المشترى السعودى أصولاً كاملةً دون وجه حق لأنها لم تكن مدرجةً فى كراسة الشروط وغير محتسبة فى تقييم سعر بيع الشركة ولم يتضمنها عرض المشترى للشراء أصلاً (أى على البيعة بلغة بائعى اللب !!). فالصفقة مثلاً تضمنت فى الأصل فرع سعد زغلول فقط دون العمارتين الرائعتين اللتين يحتل جزءاً من الدور الأرضى لهما، فاكتشفت القابضة للتشييد أنه تم تسليمه باقى العمارتين المواجهتين للبحر بالإسكندرية بأدوارهما الأربعة المكررة (مساحة الدور 1800 متراً مربعاً) وبما فيهما من محلاتٍ وشققٍ مؤجرةٍ وشققٍ خالية، فإذا افترضنا الحد الأدنى أى أنها كلها شقق سكنية يزيد سعر المتر فيها عن 10 آلاف جنيه وليست محلات (رغم أن متر المحلات المماثل يزيد على خمسة أضعاف سعر المتر السكنى) مضروباً فى 1800 م2 فى أربعة أدوار فنحن نتحدث عن 72 مليون جنيه على البيعة على الأقل .. وبنفس الكرم (أو سمِّهِ ما شئت) تم تسليمه على البيعة 12 شاليهاً على شاطئ السلام فى بلطيم مساحة كل شاليه 144 متراً مربعاً وتزيد قيمتها السوقية حالياً على 5 مليون جنيه.

كما تم تسليمه أصولاً وعقاراتٍ مدرجةً بكراسة الشروط على أنها مؤجرةٌ فى حين أنها مِلك مثل: فرع العجمى (الفرق لا يقل عن 7.5 مليون جنيه) وفرع أسوان (الفرق لا يقل عن 11 مليون جنيه) وفرع منوف (الفرق لا يقل عن 6.5 مليون جنيه).

بالإضافة إلى تسليمه أصولاً وعقاراتٍ مدرجةً فى كراسة الشروط مؤجرةً فى حين أنها حق انتفاع، مثل فروع الشركة فى طما وساقلتة وقنا، ويصعب علىَّ تقدير قيمة ما هو (على البيعة) فى هذه الحالة الأخيرة لعدم توافر المعلومات .. ولكن ما سبق تفصيله يكفى وهو يزيد على 100 مليون جنيه (وفقاً للجدول المرفق).

وإذا كان ما سبق يدخل فى عِداد العجائب التى لم يسمع بها أحدٌ من أهل الأرض كما قال طه حسين، فإن الأعجب هو أن الشركة القومية للتشييد والتعمير لم تتخذ أى إجراءٍ تجاه المُخطئين (رغم ما يمثله ذلك الفعل من إهدارٍ للمال العام واستخفافٍ غير مسبوقٍ بحرمته) واكتفت بالشكوى إلى لجنة التحكيم التى لن تعاقب المخطئين حتى لو أعادت هذه الأصول العامة للدولة.

أتفهمُ طبعاً حَرَجَ قيادات الشركة القابضة للتشييد والتعمير من تحريك الدعوى الجنائية ضد المخطئين (أو المجرمين) نظراً لأن وزير الاستثمار هو رئيس الجمعية العامة للشركة القومية للتشييد والتعمير (مثلما كان رئيس الجمعية العامة للقابضة للتجارة أيضاً) وهو الذى يعّين أعضاءها ويعزلهم .. بل إننى أُشفق على قيادات القابضة للتشييد من غضب وزير الاستثمار من نيرانهم الصديقة التى لم يقصدوا توجيهها إليه .. وأتفهم أن رقم المائة مليون جنيه لم يعد هو الرقم الذى يُغرى الأجهزة الرقابية بالتحرك فى ظل قضايا المليارات المُهدرة والمنهوبة التى تمتلئ بها مصر حالياً .. ولستُ واهماً حتى أتوقع أن يُحاسب النظامُ نفسه على جرائمه (وإلا لحاسب نفسه على تزوير الانتخابات وهو أشد جُرماً من إهدار المال العام) .. وقد كنتُ على وشك إرسال تفاصيل هذه الكوميديا السوداء إلى أسامة غريب أو بلال فضل أو جمال فهمى أو جلال عامر أو غيرهم من ساخرى مصر الكبار باعتبارهم الأقدر على التعامل معها، إلا أننى لم ألتمس لنفسى عذراً بالمشاركة فى هذه الجريمة بالصمت، فتقدمت ببلاغٍ للنائب العام بصفتى مواطناً مصرياً من مُلاّك هذا المال العام المُهدَر .. وبصفتى معاصراً وشاهداً على الفساد الذى شاب هذه الصفقة من بداياتها .. وإبراءً لذمتى أمام الله والوطن وضميرى .. ولعل غيرى يفعلون.

ملخص المسخرة

م

الأصول المُهداة على البيعة

طبيعة الإهداء

قيمة الإهداء "على البيعة"

1

عمارتا سعد زغلول بالاسكندرية

إهداء كامل

72 مليون جنيه

2

شاليهات بلطيم

إهداء كامل

5 مليون جنيه

3

فرع العجمى

احتُسِب على أنه مؤجر بينما هو تمليك

7.5 مليون جنيه

4

فرع أسوان

احتُسِب على أنه مؤجر بينما هو تمليك

11 مليون جنيه

5

فرع منوف

احتُسِب على أنه مؤجر بينما هو تمليك

6.5 مليون جنيه

6

فرع قنا

احتُسِب على أنه مؤجر بينما هو حق انتفاع

المعلومات غير متوفرة

7

فرع طما

احتُسِب على أنه مؤجر بينما هو حق انتفاع

المعلومات غير متوفرة

8

فرع ساقلتة

احتُسِب على أنه مؤجر بينما هو حق انتفاع

المعلومات غير متوفرة

إجمالى ما تم حصره على البيعة (على الأقل)

102 مليون جنيه

Comments