قارة التدوين من فضيحة مونيكا الى هواية الملوك والرؤساء

كتب : كريم البحيرى
انتشرت المدوّنات (بلوغ) Blog بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وتعددت معها الأدوات والمواقع المتخصّصة باستضافة المدوّنات ومتابعتها ،
لدرجة انّه أصبح بإمكان أيّ مستخدم للكومبيوتر إيجاد مدوّنته الخاصّة من دون الحاجة إلى وجود أيّ خبرة تقنية، وبشكل مجانيّ، الأمر الذي كان يحتاج إلى دراسة لغة البرمجة HTML قبل بضع سنوات، وإلى الكثير من الجهد لتحديث الموقع باستمرار، فضلاً عن المال لإنشاء موقع إليكتروني .
وبات من الواضح ان المدونات استطاعت ان تفرض نفسها على جميع المستويات حول العالم , فمن استخدامها في مجال الحديث عن مسائل خاصة ثم التواصل مع الأصدقاء، وصولا لدخولها عالم السياسة والاجتماع والفن ، حتى أن مشاهير العالم أدركوا حجم تأثير هذه المدونات على جمهورهم فقرروا أنشاء مدونات خاصة بهم لتكون جهاز الاتصال المباشر بملايين الناس .

تاريخ نشأة المدونات ؟
في قراءة تاريخية مختصرة لنشأة المدونات، يمكن القول أنها ظاهرة تطورت عبر ثلاثة مراحل حسب دراسة قدمها الباحث "جمال الزرن".
كانت المرحلة الاولى مع المدون الأمريكي "جورج بار غرفي" عام 1994 مع موقع "دراحج ريبورت". وهو من كان وراء نشر فضيحة "مونيكا لفن سكي" السكرتيرة الخاصة للرئيس الأمريكي السابق "بيلكلنتون" سنة 1994م.
أم الرحلة الثانية أو الميلاد الحقيقي للمدونات خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، ففي هذه المرحلة دخل الصحفيون إلى معترك التدوين. وبدأت المدونات تكتسب شيئا فشيئا قدرتها بعد هجوم شنه عليه المدونون، إثر تصريحات أطلقها Trent lott على التأثير، كما ظهر أن الغزو على العراق سنة2003 كان سببا أخر في انتشار المدونات، في حين أطلق عليها البعض اسم "مدونات الحرب العنصرية". ومنذ ذلك الحين انتشر التدوين وأصبح وسيلة اتصال شعبية ومؤثرة، فقد ظهرت‏ مدونات مؤيدة للحرب من أشهرها "آنستا بوندت". أما عام ‏2003‏ فقد أصبحت فيه المدونات وسيلة للعديد من الأشخاص المناوئين للحرب في الغرب، للتعبير عن مواقفهم السياسية. ومنهم مشاهير السياسة الأمريكية من أمثال "هوارد دين"‏.‏ وغطتها مجلات شهيرة كمجلة "فوربس" في مقالات لها‏.‏ كما كان استخدام معهد "آدم سميث" البريطاني لهذه الوسيلة دوره في تأصيلها.
أما المرحلة الثالثة هى مرحلة النضج ومؤشراتها بدأت في النصف الثاني من العام 2004م، حين تحول التدوين إلى ظاهرة عالمية عرفت انفجارا كبيرا ابتداء من سنة 2005م. فقد بدأت تظهر مجموعة جديدة مميزة على شبكة الإنترنت، تختلف عن بقية المواقع الكلاسيكية ومواقع الدردشة و البوابات و المواقع الشخصية. بها وصلات مشتركة استطاعت أن تفرض نفسها، لتتكاثر بسرعة ملفتة، ليصل عددها في نوفمبر من سنة 2000م إلى 1.2 مليون مدونة، حسب إحصائيات الموقع الخاص بالمدونات. وقد استنتج هذا المحرك أن نسبة نمو هذه المواقع تفوق بكثير بقية أصناف مواقع الانترنت، وتشير إحصائيات لعام 2006 إلى وجود أكثر من 50 مليون مدونة في العالم. وقد أشارت دراسات السوق -وفقًا لموقع Zdnetالألماني- "أن عدد هذه المدونات الشخصية التي يتم إنشاؤها يتزايد بشكل سريع حول العالم، حيث تشير آخر إحصائية أن هناك الآن ما يقرب من 27 مليون مدونة شخصية حول العالم، أغلبها أشبه باليوميات الشخصية التي تجذب قليلاً من القراء

مشاهير العالم يدونون
من أكثر الشخصيات فى العالم التى أستخدمت الأنترنت كويسلة للتواصل ، الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، فعندما أكتشف نجادى حجم تأثير المدونات على شعب ارتفع فيه عدد مرتادى شبكة المعلومات " الانترنت " قرر تدشين مدونة تحمل أسمه وبدأ فيها بالتواصل مع أبناء شعبه والرد على أسئلة مواطنيين من شعوب أخرى .
وفى فرنسا قرر " ريكى مارتن " المغنى الأكثر شهرة فى العالم أن يلجىء للتدوين للوصول الى محبية , ويعد تجربة مارتن رائدة حيث رفض وطوال سنوات طويلة ان يعترف مارتن بأنه شاذ جنسيا , ولكن وبعد هدوء اسئلة الأعلاميين حول هذا الأمر , قرر مارتن أن تكون مدونته هو كرسى الأعتراف له , فأعترف من خلال المدونة بأنه شاذ جنسيا , وهو الأمر الذى اهتمت به الصحف العالمية متسائلة لماذا لم يعترف مارتن كل هذه السنوات وقرر الأعتراف الأن من خلال تدوينه على شبكة الأنترنت .
وفى مصر يوجد تجربتان لأستخدام المدونات الأولى كانت لرئيس مجلس الوزراء المصرى الدكتور أحمد نظيف , حيث علق نظيف على أحد المدونات التى تحمل أسم " على أسم مصر " والذى يحررها النشط مصطفى محمود , وكان تعليق نظيف على احد التدوينات التى حررها مصطفى حول التعليم فى مصر , فكان رد الدكتور نظيف محاولة لتبرئة الحكومة من الأتهامات التى وجهها له مصطفى , وفى البداية ثار الجدل حول تعليق الدكتور نظيف على أحد المدونات المصرية الا انه سريعا ما أعلن نظيف فى مقابلة تلفزيونية أنه الذى حرر هذ التعليق .
أما التجربة الثانية فكانت لجمال نجل الرئيس المصرى محمد حسنى مبارك , فقد أطلقت على شبكة الأنترنت مدونة تحمل أسم جمال مبارك , وتضمنت عدد من التدوينات حول خطط التنمية فى مصر , ودور الحزب الوطنى الديمقراطى " الحزب الحاكم " فى انخفاض معدلات الفقر , تعد هذه التجربة احد أهم التجارب المصرية لأنها أستقطبت خلال أيام بسيطة عدد كبير من زوار الأنترنت , الذين أنهالوا ما بين مؤيد لجمال , وما بين ساخط على سياسات الحزب الحاكم , وما بين شباب يطلبون حق العمل , أو السكن , أو غيرها من الأمور اليومية , الا ان هذه التجربة أختلفت عن تجربة رئيس الوزراء المصرى حيث أنه وحتى الأن لم يقل جمال مبارك , أنه من يحرر هذه المدونة , ورغم عدم تصريح جمال بصلة بالمدونة , الا انه اكتشف فؤاد المدونات وشباب الأنترنت , فقام بأنشاء موقع " شارك " وبات يقيم من خلاله ببث مباشر لبعض دوائر الحوار من داخل الحزب الوطنى .

مدونة السفير البريطاني
ومن أهم تجارب التدوين تلك المدونة التى أطلقها السفير البريطاني فى مصر ‮ "‬دومينيك اسكويث" ‬ علي موقع السفارة الرسمي والتى فرضت نفسها كأحد اشهر المدونات بما حوته من تدوينات مثيرة للجدل حول النقاب،‮ والغرب والإسلام وتدوينة وحيدة باللغة الإنجليزية تعلق علي أزمة المآذن السويسرية بعنوان‮ "‬عامل الناس كما تحب أن‮ ‬يعاملوك به"!‬
مدونات السفير البريطاني تشي باهتمام خاص من جانبه بحوار الأديان والحضارات ونقاط التماس بين الشرق والغرب،‮ الغريب فى أمر السفير البريطانى أنه قام بنشر جميع التدوينات بالللغة العربية الا تدوينة وحيدة باللغة الأنجليزية , وقد أثار تدوين السفير باللغة العربية تساؤل الجميع , حول هل‮ ‬يعكس ذلك أهتماما مقصودا من شخص السفير‮ "‬دومنيك اسكويث«؛ وسعيا‮ ‬منه للتواصل مع شريحة من‮ "‬المصريين" ‬تمثل قطاعا من الشباب التفاعلي الذين قد‮ ‬يرتاد الموقع الإليكتروني للسفارة لسبب أو لآخر؛ وكذلك المثقفين الذين‮ ‬يهمهم الاطلاع علي المواقع الإليكترونية المشابهة .
لم يكن الرئيس الأيرانى , صاحب التجربة الرائدة فى عالم التدوين , حيث ان الرئيس الروسي دميتري مدفيديف انشأ مدونتين، واحدة على موقع الكرملين والثانية على موقع "لايف جورنال" في شهر اكتوبر سنة 2008 ومنذ ذلك اليوم وهو يقوم بنشر رسائله المكتوبة والمسجلة والمصورة وايصالها الى المواطنين الروس وغيرهم حول العالم .
ولا نستطيع ان نتجاهل ظهرتان لأستخدام المشاهير للتدوين فى العالم , الظاهرة الأولى كانت فى أعقاب الأنتخابات الأمريكية حيث أستخدم الرئيس الأمريكى باراك أوباما , التدوين ومواقع الفيس بوك وغيرها من وسائل الأتصال , فى حملتة الأنتخابية , وهى الخطوة التى اثارت جدلا واسعا حول قدرة الأنترنت على التأثير فى عالم السياسة .
أما الظاهر الأخرى هى ظاهرة الدكتور محمد البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمحتمل ترشحة لرئاسة الجمهورية فى مصر , حيث بدأت حملة الترويج والأنصال بين البرادعى وبين المواطنيين المصريين , عبر المدونات , وتويتر , والفيس بوك , وغيرها من الأدوات التى تتيح الأتصال بأكبر عدد ممكن من الجمهور .

ملاحقون بسبب التدوين
ليس كل عالم التدوين متعة خالصة، فقد لوحق الآلاف حول العالم بسبب مدونات قاموا بكتابة أشياء تخص شخصيات كبرى , فكان مصيرهم اما السجن أو دفع مبالغ مالية عالية , أو المنع من دخول أحد البلاد , أو الفصل من العمل , وغيرها من وسائل الأضطهاد , "الأزمة" تنقل عدد من أشكال الأضطهاد حول العالم .
فيليب رزق : مواطن يحمل الجنسية المصرية الألمانية , يعيش فى مصر مع شقيقته ويدرس بالجامعة الأمريكية , ويعمل كصحفى ومخرج أفلام وثائقيه , فيليب قام بأطلاق فلم يحمل معانات أهالى الضفة الغربية بفلسطين , وكان يحمل أسم الفلم " صمود " وأطلق فيليب هذا الفلم على مدونته التى تحمل أسم " تبولة غزة " ولم ينتظر فيليب كثير قبل أن يتم القبض عليه وأخفاءه فترة 11 يوما داخل مقر مباحث أمن الدولة المصرية , قبل أن يطلق صراحة الا ان فيليب ورغم ذلك لم يتوقف عن التدوين , أو أخراج الأفلام الوثائقية .
في يناير 2007، تم رفع دعوى ضد اثنين من المدونين السياسين الماليزيين، جيف أوي واهردين عطان، من قبل صحيفة موالية للحكومة، وهي الصحيفة الماليزية نيو ستريتس تايمز بيرهاد، عبر التشهير المزعوم. وكان المدعي مدعوما من الحكومة الماليزية, في أعقاب رفع الدعوى، اقترحت الحكومة الماليزية "تسجيل" جميع المدونين الماليزيين من أجل تحسين مراقبة الأحزاب ضد مصلحتهم.
وفى الولايات المتحدة رفعت دعوى قضائية على المدون آرون وول من قبل السلطة بتهمة التشهير ونشر الأسرار التجارية في عام 2005.
وفي عام 2009، أصدر دي تي اشعاراً قانونيا للمدون الهندي تشيتان كونت عن "حرية مسيئة في التعبير " في ما يتعلق بالمدونات بعد انتقاد تغطيتها لهجمات مومباي. وانسحب المدون دون قيد أو شرط من منصبه، والاستعاضة عنه مع التعهد القانوني، واعترف بأن منصبه كان "تشهيري وغير صحيح" مما أسفر في العديد من المدونين الهنديين بنقد تليفزيون إن دي لمحاولة اسكات منتقدي الحكومة .

وفي الهند، استقال المدون غوراف سابنيس من مناصبه في آي بي إم بعد فضح الادعاءات الكاذبة لإدارة
المدرسة، IIPM،

أدت إلى ان إدارة IIPM
هددت بحرق آي بي إم وأجهزة الكمبيوتر المحمولة كعلامة على الاحتجاج ضده .
فيما فقدت كاترين ساندرسون، الملقبه رشيق انقليس، وظيفتها في باريس في شركة محاسبية بريطانية بسبب المدونات , رغم انها كانت تكتب بأسم مجهول الا انه لم يحميها ذلك .
في سنغافورة، تم سجن اثنين من الصينيين العرقيين في إطار البلد لمكافحة التحريض على الفتنة القانون لنشر تصريحات معادية للمسلمين في المدونات .
وفى مصر وجه القضاء المصرى اتهام ضد المدون كريم عامر لإهانة الرئيس المصري حسني مبارك، ومؤسسة الإسلام في مدونته , وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ مصر الذى يحاكم فيها مدون بعد جلسة قصيرة للمحاكمة التي وقعت في الإسكندرية، واعتبرت المحكمة المدون مذنبا وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لإهانة الإسلام والتحريض على الفتنة، وسنة واحدة لإهانة الرئيس حسني مبارك .
وفى ميانمار، حكم على المدونة ناي فون لات بالسجن لمدة 20 عاما لنشرها رسما كاريكاتيريا ينتقد رئيس الدولة ثان شوي .
وعودة مرة اخرى الى مصر فقد منعت السلطات المصرية الصحفى بجريدة العمال السويدية بير بركلين من الدخول الى الاراضى المصرية بعد انتقادات وجهها بير الى الحكومة المصرية فى اعقاب احداث 6 ابريل 2008 , بعد استخدام الشرطة للعنف مع متظاهرين فى مدينة المحلة الكبرى , وتسبب منع بير فى انتقادات واسعة من قبل الصحافة العالمية الى الحكومة المصرية.
وفى مصر مرة اخرى مازال مسعد أبو فجر الروائى السيناوى منذ ديسمبر 2007 يقبع داخل السجون المصرية ببرج العرب بسبب مدونة قام بتدشينها تحمل أسم ودنا نعيش تكتب عن هموم المواطنيين على أرض سيناء .

المدونات والصحف العالمية
استطاعت المدونات في السنوات الخمس الماضية ان تفرض نفسها على عالم الصحافة , حيث بدأت كبريات الصجف العالمية فى أنشاء مدونات خاصة لها , كوسيلة تكاملية مع المطبوع الورقي .
في جريدة المسائية المصرية "المحسوبة على الحكومة" دشنت صفحة كاملة للمدونات , ثم باتت الصفحة بشكل اسبوعي .
وفى الولايات المتحدة اهتمت كبريات الصحف مثل الواشنطن بوست , النيويورك تايمز , وال ستريت جورنال , وغيرها من الصحف أهتمت كثير بأخبار المدونيين , حتى أصبحت أخبار المدونات تحتل مساحات كبيرة بداخلها .
يذكر ان أهم انتشار للمدونات وفرضها على الصحف كان فى ثلاث حوادث , الأولى فى أعقاب أحدات 6 ابريل 2008 فى مصر حيث سارعت الصحف الدولية بنقل أخبار ما يحدث من خلال المدونات المصرية التى كانت متابعة للحدث , أما الثانية فكانت فى ايران أعقاب خروج عدد كبير من الأيرانيين المؤييدين لموساوى , ومنع السلطات الأيرانية للصحفيين من الخروج لتغطية الأحداث فاستبدلت فكان مصدر الصحف الوحيد فى التغطية هو المدونات , اما الثالثة فكانت فى هايتى حيث لعبت المدونات دورا رائدا , فى تغطية الحدث واستخدام تقنيات حديثة , استطاعت بها تحديد أماكن لمصابين لم تكن تعرف الحكومة عنهم شيئا , وهو الأمر الذى فرض نفسه على جميع صحف العالم

Comments