اصطباحة

بقلم بلال فضل

إذا كنت تعتقد مثلى أن الحياة ليست سوى فيلم روائى طويل نواصل تصويره ومونتاجه كل يوم، قبل أن نتوقف يوما ما بقرار حاسم ومفاجئ من المنتج، ولله المثل الأعلى، فأنت بلغة السينما ستعتقد أيضا مثلى، أن الحياة فى الأول والآخر زاوية رؤية،

ولذلك ربما تكون قد انبهرت بزاوية الرؤية التى ترى بها تلك الحلاقة الأسكتلندية الحياة من حولها «علينا أن نذكر أنفسنا دائما بأن الحياة خادعة ومستعدة دائما للفتك بنا، لذلك علينا أن نكون مستعدين لها دائما بالمزيد من العمل والمتعة»، خذ بالك أنا لم أحدثك عن ثرية بريطانية تمتلك سلسلة فنادق عالمية، ولا عن عضوة فى مجلس العموم تلقى خطابا انتخابيا، بل عن حلاقة كان لديها إبان محاولتها تلبية رغبتى فى تحديد الذقن بشكل يطابق صورتى فى «الباسبور»، ثلاثة أبناء مطلّعين عينيها، وزوج مهدد بالتسريح من العمل، وحياة حافلة بالقروض والأزمات.

للأسف ليست الفرصة سانحة الآن لمناقشة ذلك الوهم الذى يسكن الكثير منّا بأن الحياة فى الغرب حلم فانتازى خلاب، فالحياة هناك تهرس الضعفاء بقوة غير آدمية، واسألوا الذين نجوا من المهرسة الغربية بأعجوبة، ربما يدفعنى هذا لتذكيرك قبل أن تمارس بحقى هوايتنا القومية المفضلة فى إطلاق الأحكام، بأننى لست من المؤمنين بأن الغرب يملك حلا نهائيا للبشرية،

سأحكى لك يوما ما عن تجارب مريرة أوصلتنى إلى الاقتناع بخواء الحياة الغربية وامتلائها بمشاكل خطيرة يمكن أن تبدد أى إحساس لديك بالسعادة أو الرفاهية، لكننى مع ذلك لا يمكن أن أنكر انبهارى العميق بقدرة غالبية الغربيين الذين رأيتهم وعايشتهم على وضع كل مشاكلهم الشخصية جانبا فور أدائهم لأعمالهم التى يقدسونها تقديسا مبهرا لا خلاص لنا إلا بالاقتداء به، لا تخف لن أذكرك بمقولة الإمام محمد عبده التى قالها بعد سفره إلى إنجلترا، فأنت لاشك تحفظها من فرط ما سمعتها، ومع ذلك لم تجد نفعا فى حياتنا، لأن القرآن الكريم نفسه لم يجد معنا نفعا وهو يحضنا على العمل والعلم وترك مهمة الحكم على البشر لخالقهم.

ستقاطعنى الآن وتصرخ فى وجهى «يا عم وإحنا فين وبريطانيا وناسها فين.. ده إحنا قدامنا ميتين قرن لما نبقى...»، لن أكمل بقية الجملة المعيبة فأنت تعرفها، واسمح لى أننا لن نكون كما تقول تكملة الجملة، إلا إذا صدقنا بصحتها، صدقنى التقدم إلينا أقرب مما نتصور، وتستطيع بلادنا أن تحقق معجزة كالتى حققتها أيرلندا التى كانت فى الضياع وعبرت من الانقسام والحرب الأهلية والضياع إلى التقدم العلمى المبهر وتحقيق أعلى معدل نمو فى العالم خلال عشر سنوات بس، تمنعنى المساحة أن أفتح فى سيرة التجربة التركية التى لعلك تعلم إن كنت من زبائنى القدامى فى الدستور انبهارى الشديد بها، أنا كما وعدتك أحاول جاهدا ألا أحدثك نقلا عن الكتب، بل أحدثك فقط عن قناعات عشتها وتفاصيل لا يكمن فيها الشيطان.

الخلاصة أن خلاصنا لن يتحقق إلا لو أدرك كل منا أننا وصلنا خلاص إلى النهاية، وأن صندوق الانتخابات هو خلاصنا الوحيد، لا تردد أرجوك تلك الأسئلة الكسيحة البلهاء عمن سيحكمنا وأين هو وإنت شايف مين غيره، فإذا كانت هناك ميزة لحكم الرئيس مبارك، فهى إثباته بما لا يدع مجالا للشك، أن أى شخص أيا كانت كفاءاته أو مؤهلاته قادر على أن يحكم مصر حتى إذا لم يكن يحلم بذلك أو يرغب فيه، فما بالك ومصر فيها مئات ولن أقول آلاف الكفاءات التى ينحنى لها العالم تقديرا وإجلالا، الحكاية هل نحن نرغب حقا فى التغيير؟،

هل لدينا ما هو أكثر من البكائيات العاجزة التى تتشطر على البردعة وترمى همها على الصحافة السوداء التى تدفعنا لليأس وبرامج التوك شو التى تسودها فى وشنا، يا سيدى بدلا من أن تسأل ذلك الكاتب أو تلك الصحيفة أو هاذيك البرنامج عن الحل والمخرج والبديل كأنك لا تعرفه، هل سألت نفسك بصدق وشجاعة وجرأة ما الذى فعلته لإصلاح من حولك، دعنى أنقل لك هنا جملة عبقرية اتخذها المفكر البحرينى الكبير د. محمد جابر الإنصارى عنوانا لمقال رائع له: آه لو أصلح كل عربى ما تصل إليه يداه، وحتى نلتقى مجددا، إفرد يديك أمامك، واسألهما عما صنعتاه لإصلاح ما تصلان إليه فى بيتك وداخل أسرتك وبين أصدقائك وفى مجال عملك وفى نطاق شارعك، إذا وجدت نفسك قد أنجزت شيئا،

فأنت لا محالة سائر على الطريق وستصل حتما فى يوم ما إلى صندوق الانتخابات ولو مت دونه، فأنت من غيره ميت ميت، على الطرق الخربة أو فى المستشفيات القاتلة أو بالمياه المُتَيفدة أو بالأطعمة المروية بالمجارى، أما إذا لم تكن قد فعلت بيديك شيئا سوى اللطم وتدبيج عرائض اليأس والأسئلة التى تخدع نفسك بها عن غياب الطريق وافتقاد البديل وضياع الأمل، فَهُبّ فورا إلى الكمبيوتر وانتع رسالة تسبُّنى فيها، لأننى لم أفتح أمامك أبواب الأمل، واتشطّر عليّ براحتك، فأنا لا أمتلك أمنا مركزيا ولا مباحث أمن دولة، وأنت شجاع وأنا أستاهل.

* يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص

. belalfadl@hotmail.com

Comments