بلال فضل يكتب الحرية ليست منحة من أى رئيس

قرأ الشاب الجميل ذلك الحوار المذهل الذى أجراه زميلنا طارق أمين مع الرجل المصرى المحترم المستشار هشام البسطويسى، والذى لو نُشِر فى بلاد تحترم نفسها وشعبها لأقيل وزير الداخلية على الفور، لكنه للأسف نُشِر فى مصر ولذلك لن يُحاسَب أحدٌ على ما فى الحوار سوى المستشار البسطويسى نفسه. سألنى الشاب الذى يتنازعه الخوف على نفسه والخوف على بلاده: إنت مش خايف على نفسك من اللى بتكتبه؟،

ولأننى لا أؤمن بالإجابات المتسرعة الانفعالية، قررت أن أهدى إليه وإليك هذه السطور التى كتبتها بهدوء شديد، أو هكذا أظن.

«عندما أقول لك إن حرية الصحافة ليست منحة من أى رئيس فى الدنيا يعطيها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء، من العيب جدا أن تتعامل معى على أننى بطل أو مسنود أو مستبيع. عندما أقول لك إن حرية الرأى ليست عطية سلطانية بل هى فطرة الله التى فطر الناس عليها، فمن عظيم المهانة أن تعتبر التذكير بالبديهيات بطولة أو فروسية.

عندما أقول لك إنه لا أحد فوق النقد حتى لو كان رئيس الجمهورية، فمن العار أن تنظر حولك حذرا خائفا كأننى جئت شيئاً إدّا. عندما أقول لك إن الأوطان ليست هدايا يجيبها الآباء للأبناء، وإن الشعوب ليست أمتعة يوصى بها الحكام لأنجالهم فمن المثير للأسى أن تكتفى بهز رأسك كأن الأمر لا يعنيك البتة.

عندما تخفض رأسك لتسجد بين يدى الله هل تظن أن الله سيتقبل سجودك إذا كنت لا تؤمن حقا وصدقا بأنه لا نافع إلا الله ولا ضار إلا الله ولا رازق إلا الله ولا معطى إلا الله ولا مانع إلا الله؟ عندما تمد يديك إلى السماء، مسلماً كنت أو مسيحياً، ثم تدعو متضرعاً يا رب يا رب هل تظن أن الله سيتقبل دعاءك إذا كنت تخشى غيره أياً كان غيره، رئيس جمهورية أو ضابط بوليس أو صاحب سلطان أو صاحب ابن صاحب سلطان؟

عندما تخشى أن تقول كلمة الحق وتطأطئ رأسك مذلة وخنوعا وتقول لنفسك ولمن حولك «واحنا مالنا.. ربنا يتولاهم.. خلينا فى حالنا» هل تظن أنك تجلب لنفسك طول الأجل، ألم تسمع عن الذين ماتوا لأنهم تزحلقوا بقشرة موز أو اختنقوا بتسرب سخان غاز أو شرقوا فى قشرة لب أو ماتوا فى حادث سير تافه؟ ربنا يعطيك طولة العمر يا سيدى إن أراد لكنه لن يعطيك عزة النفس إلا إن أردتها ولن يمنع عنك المهانة إلا إذا اخترت أن تمتنع عنها.

أنا لست واعظاً أو شيخاً أو ملاكاً بريئاً، أنا أساساً فىّ العِبَر. قد أكون أجهل منك بالدين، لكننى أعرف جيدا أن كل العِبَر التى يمكن أن تكون لدىّ أو لديك يمكن أن يغفرها الله سبحانه وتعالى إلا أن تشرك بالله حاكما تخاف منه أو كبيراً تتملقه أو معطياً ترجوه أو باطشا تهابه، فهلا سألت نفسك وحاسبتها قبل أن تُحاسب، هل أنت حقا لا تخاف إلا الله؟

ستسألنى حانقا «يا أخى إنت عايز مننا إيه.. ما تسيبنا فى اللى إحنا فيه.. نولّع فى نفسنا وأماننا ومستقبلنا علشان تستريح». لينقطع لسانى لو كان قد طلب منك شيئا، ولتولع نفسى لو كانت ترتضى لك أن تولّع فى نفسك وتخاصم أمانك وتنسى مستقبلك أو مستقبل أولادك. أنا فقط أذكِّرك وأذكِّر نفسى قبلك بعهود قطعناها أمام الله أن نوقن حقا أن الأمة كلها إنسها وجنها، كبيرها وصغيرها، رئيسها ومرؤوسيها، لو اجتمعت على أن تنفعنا بشىء لن تنفعنا إلا بشىء قد كتبه الله لنا، وأن الأمة كلها إنسها وجنها أمنها وعسكرها لو اجتمعت على أن تضرنا بشىء لن تضرنا إلا بشىء قد كتبه الله علينا، فهل نحن نوقن حقا وصدقا بذلك؟

إذا كنا نوقن حقا بذلك فهنيئا لنا والله، أما إذا كنا لا نوقن حقا بذلك فلماذا نتعب أنفسنا فى قيام وسجود وصيام وعطش وتكفير للناس وتفتيش فى نواياهم وإطلاق أحكام عليهم وادعاء تدين لم نصل إلى جوهره أبدا؟

قسماً عظماً إننى مستعد لأن أسحب كلامى كله لو قلت لى إنه ضايقك أو استفزك أو عصّبك أو التمست فيه مزايدة عليك أو تحميلا لك ما لا تحتمل. أسحبه كله وأكتفى فقط بآية قرآنية كريمة لو عشنا بها فقط دون غيرها لما كان حالنا كما لا يخفى عليك: (ياأيها الناس ضُرِبَ مثلٌ فاستمعوا له إنّ الذين تََدعونَ من دونِ اللِه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذبابُ شيئاً لا يستنقذوهُ منه ضعف الطالب والمطلوب). صدق الله العظيم. ولذلك صدقنى والله العظيم.. ضَعُف الطالب والمطلوب».

* يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص.

belalfadl@hotmail.com

Comments