الدكتور منى مينا تكتب : دعما للمقاومة


د/ منى مينا تصوير - كريم البحيرى

في كل المظاهرات التي حضرتها لنصرة المقاومة الفلسطينية الباسلة لإخواننا في غزة، كان ينازعني شعوران قويان، أحدهما إحساس بالقوة والحماس لوجود هذه الآلاف التي تجمعت، رغم جحافل الأمن المركزي، التي تحاصر دائما المتظاهرين، وأحيانا تضربهم وتعتدي عليهم، وأحيانا تعتقل منهم العشرات.

أما الإحساس الثاني فهو للأسف إحساس بالغربة والعزلة لسيادة كثير من الشعارات والهتافات التي يطل من بين ثناياها دعوة واضحة لي أن أذهب لبيتي أكرم، فليس لي مكان وسط المجتمعين لنصرة الشعب الفلسطيني ...تنطلق في المظاهرات هتافات مثل "يا صهيوني يا خسيس دم المسلم مش رخيص" يا ترى ما رأي صاحب هذا الشعار في دم المسيحيين الفلسطينيين؟؟ وتكتمل الصورة بشعار "خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود" إذن فالحرب حرب إسلامية، جيشها من المجاهدين المسلمين، وضحاياها المبكي عليهم من المسلمين، ومناصروها من الحركات الإسلامية، ولا حاجة للالتفات لآخرين، سواء كانوا قوى يسارية أو وطنية أو قومية مساندة للنضال الفلسطيني، أو كانوا مسيحيين مصريين وطنيين تدفعهم هذه الممارسات وأشباهها دفعا لأن يهتموا فقط بأمورهم الخاصة ولأن تقتصر مظاهراتهم على الدفاع عن وفاء قسطنطين، وغير ذلك من مشاكل الفتنة الطائفية .. ثم نلوم عليهم التقوقع وعدم الاشتراك في الحياة العامة .

كل هذا ذكرني بتصريح لجورج بوش أثناء غزو العراق منذ حوالي 5 سنوات عن "الحروب الصليبية المقدسة الجديدة التي تشنها أمريكا على العراق".. اعتبرنا وقتها هذه التصريحات العنصرية الفجة إحدى الدلائل الكثيرة لمحدودية ذكاء رئيس أكبردولة في العالم، لكن الأحداث التي تتالت بعد ذلك أوضحت لي أن وراء هذه التصريحات المؤسسات العنصرية الأذكى التي ترسم لبوش خطواته .. وفعلا أتت هذه التصريحات الفجة بنتائجها، فتفجر الصراع بشكل ديني وتزايدت الصراعات الدينية والعرقية والطائفية في العراق، حتى أصبح السني يحارب الشيعي، والاثنان يحاربان الكردي، وأصبح ضحايا القتال العراقي العراقي أكثر من ضحايا مقاومة العراقيين للمحتل الأمريكي.

الحق أنني ترددت كثيرا في كتابة هذا الموضوع الذي يدخل بي لمناطق خلافية في الوقت الذي يجب أن تجتمع فيه كل الجهود في إتجاه واحد هو دعم المقاومة، لتستمر في الصمود أمام قوة غاشمة، وجيش من أقوى جيوش العالم يستخدم أحدث الأسلحة العالمية الغير مصرح بها والمصرح بها ..ولكن ما رأيته من يومين في التغطية الإعلامية لمظاهرات دعم غزة في النرويج وألمانيا حسم لي ترددي ..فالعرب يهتفون في ألمانيا بشعارات ضد اليهود، ليس ضد الصهيونية ولكن ضد اليهود .. وفي النرويج في مظاهرة كبيرة حوالي نصفها من الأوروبيين يقول أحد المشاركين العرب "لن نسكت على قتل المسيحيين واليهود لإخواننا من المسلمين" يقول هذا في مظاهرة فيها الكثيرين من المسيحيين، وربما اليهود ...

زملائى مناصري النضال الفلسطيني من كل التيارات وفي كل أرجاء مصر والعالم العربي ..ما معنى هذا الخطاب المنفر من كثير من نشطاء دعم المقاومة سواء في الداخل أو الخارج، هل نشعر أننا أقوياء لدرجة الإستغناء عن مساندة أصحاب الضمائر الحرة في الغرب من المسيحيين أو اليهود؟ أم لازلنا لا نفهم الرسالة الواضحة في كون الدولة الوحيدة التي بادرت بطرد السفير الإسرائيلي هي فنزويلا؟ والرسائل المتعددة في مظاهرات اليهود المعادين للصهيونية ضد إسرائيل، وفي المتطوعين الأوروبيين اللذين يدخلون لغزة تحت النار لتقديم الخدمات الطبية والإنسانية؟؟

إن أصحاب الضمائر الحرة يتحركون لنصرتنا متأثرين بالصمود البطولي للشعب الفلسطيني، والجرائم البشعة التي يرتكبها العدو الصهيوني، باختصار يدفع الشعب الفلسطيني ثمنا فادحا حتى يتحرك ضمير العالم، لذلك يجب علينا أن نستفيد من هذا التعاطف الذي دفع فيه الشعب الفلسطيني ثمنا فادحا، لا أن نهدره ونشق صفه بالدعاية السطحية والمنفرة، ويجب علينا أيضا أن ننتبه للمخطط الأمريكي للمنطقة، الذي يحاول أن يدفعنا للحروب الأهلية والفتن الطائفية، لتتفتت العراق بين السنة والشيعة والأكراد، وتتفتت مصر بين المسلمين والمسيحيين والنوبة والبدو، وتتفتت المقاومة الفلسطينية بين حماس وفتح، وتتفتت قوى دعم المقاومة فتعجز عن القيام بالدور الواجب عليها، لتصبح إسرائيل الدولة القوية الوحيدة وسط دويلات عرقية وطائفية ضعيفة .

يجب أن نفكر بجدية كيف تصب جهودنا لنصرة إخواننا في فلسطين، ولتوسيع جبهة المناصرة، وليس في تنفيذ مخطط أمريكا للمنطقة

Comments