دور المدوّنات المصريّة في نجاح إضراب عمّال المحلّة

مصطفى بسيوني *

أقامت المدوّنات المصريّة (blogs) احتفالاً كبيراً على صفحاتها الإلكترونيّة في إضراب عمّال غزل المحلّة. فقد أثار الحدث الكبير اهتمام عدد كبير من المدوّنين المصريّين. وأصبحت المدوّنات إحدى أهم وسائل متابعة الإضراب، لا يوماً بيوم ولكن أيضاً ساعة بساعة. ورغم أنّ الإضراب كان في مدينة المحلّة، وهي تبعد أكثر من 150 كلم عن القاهرة التي يسكن فيها غالبيّة المدوّنين، إلّا أنّ العديد منهم قطعوا المسافة لمتابعة الإضراب والالتقاء بالعمّال المضربين والتقاط الصور ونشرها على مدوّناتهم. وقد كانت أهمّ المدوّنات المتابعة للحدث مدوّنة كريم البحيري وعنوانها «عمّال مصر» (www.egyworkers.blogspot.com). ويرجع ذلك إلى أنّ صاحب المدوّنة نفسه هو أحد العمّال المضربين، وحرص على نقل وقائع وأحداث الإضراب بالكلمة والصوت والصورة ولقطات الفيديو، لحظة بلحظة إلى مدوّنته، فأصبحت خلال الإضراب وبعده مصدراً رئيسياً وهامّاً للمعلومات المؤكّدة والموثّقة عن الإضراب حتى أصبح من الممكن جمع فيلم وثائقي كامل عن الإضراب من المدوّنة! بالإضافة إلى ذلك، كان من أهمّ الأدوار التي قامت بها المدوّنة، أنّها الوحيدة التي كانت موجودة داخل المعامل على مدار الساعة. ففي ساعات الليل المتأخّرة وساعات الصباح الأولى، عندما تكون وسائل الإعلام والصحف غير متوفّرة. وهذا كان مفيداً في متابعة المفاوضات التي تجرى بصورة مفاجئة مع العمّال من قبل مسؤولين يأتون في ساعات متأخّرة من الليل أو في الكشف عن تهديدات كان يتلقّاها العمّال من الأمن فجراً. وهكذا عرضت المدوّنة مثلاً الزيارة المفاجئة لوفد المجلس القومي لحقوق الإنسان، والأحاديث المتبادلة مع العمّال في لقطات فيديو. سهّلت المدوّنة العمّالية تلقّي رسائل التضامن من جهات وأفراد في داخل البلاد وخارجها، وكان لها تأثير ملحوظ على العمّال. فهم تلقّوا من خلال المدوّنة، رسالة تضامنية من نقابة عمّال القطاع العام في جنوب أفريقيا واتحاد عمال النسيج
العالمي.
ثاني المدوّنات تأثيراً في مجرى الأحداث كانت من الولايات المتّحدة، وهي مدوّنة الصحافي المصري حسام الحملاوي واسمها «عرباوي» (arabist.net arabawy). المدوّنة الناطقة بالإنكليزية استطاعت نقل الإضراب أوّل بأوّل بالكلمة والصورة، ولعبت دوراً رئيسيّاً في التعريف بمجرى الأمور، وقد كان حسام الحملاوي حريصاً على تدقيق كل معلومة تصله من أكثر من مصدر، وظهر تأثير المدوّنة سريعاً خلال الإضراب. فقد كانت مصدراً أساسياً لغالبيّة المراسلين الأجانب، وساعدت في نقل الحدث إلى خارج مصر، وساهمت بشكل فعّال في جلب التضامن الأممي مع العمّال، كما في دعم روحهم المعنوية بنقل هذا التضامن إليهم أثناء
الإضراب.
لا يتعامل جهاز الأمن المصري بشكل ودّي مع الصحافيّين والمراسلين الرسميّين ـــــ أي الذين يحملون تراخيص بمزاولة الصحافة أو عضوية نقابة الصحافيين ـــــ فما بالك بما يمكن أن نسمّيه «الإعلام غير الرسمي» أي المدوّنين؟ وكان من المدوّنين الذين انتقلوا إلى موقع الإضراب نورا يونس التي تحمل مدوّنتها اسمها (norayounis.com)، وقد اعتمدت في تدوينها إضراب غزل المحلّة على لقطات فيديو، قدّمتها في عدّة مقاطع على مدوّنتها، حرصت فيها على إظهار مجموعات كبيرة من العمّال ردّاً على المعلومات الرسمية عن قلّة عدد المضربين. كما عرضت في مدوّناتها عبر أحد قادة الإضراب مطالب العمّال، وكانت حريصة على أن تبرز دور العاملات في الإضراب ومعنويّاتهنّ وطريقة شرحهنّ للمطالب بالوثائق.
زيارات المدوّنين المتتالية للإضراب وفّرت لصفحات المواقع الإلكترونيّة، مادّة مصوَّرة غزيرة، كانت توثيقاً استثنائياً للإضراب، وهو أمر جديد في مصر، ساعد فيه طول فترة الإضراب والمعرفة به قبل بدايته بفترة كافية. ومن المدوّنين الذين توجّهوا إلى الإضراب الصحافي رضوان آدم، صاحب مدوّنة «مصر الموازية» (masradam.blogspot.com) والذي وجّه الدعوة من خلال مدوّنته للتضامن مع عمّال غزل المحلّة، عارضاً صور التضامن معهم بالفعل ومتمنّياً النصر. وعندما تحقّق ذلك النصر احتفلت به مدوّنة مصر الموازية، كما قدّم آدم عشرات الصور المؤثّرة لصلاة الجمعة في شركة غزل المحلّة، وكيف تحوّلت خطبة الجمعة التي قدّمها أحد العمّال إلى خطاب يحثّ على الصمود والتمسك بالمطالب. ومن المدونات الطريفة التي فردت مساحة لإضراب غزل المحلة، مدوّنة «شمال يمين» (ymeenshemal.blogsopt.com )، وهى مدوّنة مشتركة لليساري سيد تركي، والإخواني أحمد حربية. وكانت التدوينة الخاصة بعمّال غزل المحلّة احتفت بالإضراب وتضامنت مع العمّال وتمنّت لهم النصر، فكان الإضراب محلّ اتفاق بين الشريكين اليساري والإخواني، في رسالة أرادا أن يوصلاها إلى الجميع مفادها أنّ التضامن مع حركة العمّال ودعمها يجب أن يكون محلّ إجماع كلّ القوى السياسية، من اليمين إلى اليسار. مدوّنات اليسار لم تكن غائبة عن إضراب غزل المحلّة، فتحت عنوان «عاش كفاح أسود المحلّة»، أعلنت مدونة «يساري مصري» (masr_heya_ommi.blogspot.com)، التضامن مع العمّال واحتفت بهم، كما غطّت وقائع التظاهرة في القاهرة التي تضامنت معهم. محمد الخولي، صاحب «صرختنا» (againstoti.blogspot.com) زار الإضراب في يوميه الثاني والثالث، والتقى العمّال وعاش معهم. وجمع محمد الخولي بين إضراب كانون الأول 2006 والإضراب الحالي كمعركة واحدة طويلة المدى. واهتمّ الخولي بهتافات العمّال ومطالبهم. وتحت عنوان «محلاوية على طول»، تعرض كرم أصلان صاحب «أصلاني» (aldorzy.blogspot.com) لأوضاع مدينة المحلّة وتدهور الخدمات فيها، والتي اعتبرها عقاباً من الحكومة للعمّال على إضراباتهم.
لم تكد تخلو مدوّنة مصرية خلال إضراب عمّال غزل المحلّة من صور أو مقاطع فيديو أو إشارة تضامن مع عمّال غزل المحلّة. ولكن الظاهرة اللافتة، هي أنّ المدوّنات بدت كطرف مؤثّر وفاعل في الإضراب. وربما يكون هذا الإضراب محطّة هامّة في مصر للتدوين، فقد اقترب دور التدوين خلال أيام الإضراب من أن يكون وسيلة إعلام رئيسية، غير مراقبة، وغير محدّدة بمساحة ولا بتوقيت. كما اتسمت غالبيّة المدوّنات بدرجة عالية جدّاً من الدقّة افتقدت لها بعض وسائل الإعلام التقليديّة، وحرص كلّ المدوّنين على توثيق تدويناتهم بالصور ولقطات الفيديو والمستندات، بروح احترافية، ما يجعل تغطية المدوّنات لإضراب العمّال خطوة هامّة في اتجاه تحوّل المدوّنات إلى وسيلة إعلام شعبية هامّة وحرّة.
* صحافي مصري

Comments

فعلاَ المدونات دورها قوي جدا جدا
فوق ماحنا متخيلين حتي
وشكرا علي عرضك للمقال الرائع
تحياتي